 | البارودي بين المحافظة والتجديد     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم البارودي شاعر بالموهبة ، فلم يدرس شيئا من علوم العربية ليكتب أو ينظم ، وإنما تلقى بالقراءة والشغف أشعار كبار الشعراء في العصور المختلفة ، فصار شاعرا مطبوعا يطلق عنان الشعر في كل أفق معبرا عما يجيش في نفسه ، وصار الشعر مرآة حياته صور فيه كل ما حدث له من جليل الحوادث وصغائرها حتى الأماني كان لها نصيب من شعره ؛ وكل ذلك على نمط الأقدمين فليس له سابقة تجديد أو منظومة تنقله إلى صفوف المُحْدَثين المتمردين ، وإنما كان له الأسلوب الجزل الذي لم يعهده الناس لدى شعراء جيله ، كما كان له باع في تصوير الحياة بعين فاحصة قديرة وسلاسة كلمته وواقعية الحدث ، وكل ذلك في دائرة الموزون المتعارف عليه من شعر العرب ؛ فكان تجديده بإعادة الشعر إلى قوته وليس بإدخال ما تقذفه ثقافات الآخرين فيه ، ولعل عدم تعلمه فنون العربية أوقعه في بعض الزلات اللغوية أو في ضعف النسيج الشعري وليس ذلك تنقصا فقد سقط في مثلها كثير من الشعراء السابقين . ولقد عهد فيه الشعراء أصالة حببتهم إلى الاقتداء به وترسم خطاه في نهضة الشعر فبرز حافظ إبراهيم وأحمد شوقي إلى الساحة امتدادا للبارودي المُحافظ غير أنهما جددا في موضوعاتهما . ولا يحسن بقارئ شعر البارودي أن يتهمه بالسرقات الشعرية إذا وجد عنده ما كان عند السابقين لأن البارودي كان يحاكي أصحاب القوة ليكون مثلهم ذا ملكة قوية ضمن ركاب ملكاتهم وليبعث أمة من سباتها بعد خمول طويل ، ومع ذلك فالقدماء كان يسرق بعضهم من بعض الصور والمعاني وحسبك أن تقرأ لكعب بن زهير :
ما أرانا نقول إلا iiرجيعا |
|
ومعادا من قولنا مكرورا | لتعلم مدى التواصل بين حلقات سلسلة الشعر مذ نشأ إلى يومنا هذا . ترك البارودي كتابا من تجميعه أشبه بمجموعات الشعر التي نعتز بها ، اسمه : ( مختارات البارودي ) وهو دليل بارز على عنوان مدرسته الشعرية الجديدة بجدة إحياء القديم والقديمة بالأصالة والثبات : فهي الجديدة القديمة لا تتمرد على الموروث الشعري الخالد ولا تتلقى ما ينبذها عن عمود الشعر كما نظم عليه العرب ؛ ذلك تجديد البارودي كما أراه ، وبالله التوفيق . | *منصور مهران | 8 - ديسمبر - 2005 |