تختلف الدلالة اللغوية للتيسير عن التبسيط ؛ أما التيسير : فهو التماس الوسيلة القريبة التناول السهلة الجلية ، وأما التبسيط فهو البسط بمعنى التوسع والاستقصاء . وأظن أن التيسير هو المقصود في كلام السيد / محمود ، وليس التبسيط . هذا وخير وسيلة لتيسير مواد علوم اللغة أن يكون ادى الطالب ثروة من ألفاظ العربية وثروة من أساليبها ليحسن التعبير والتلقي وبغير هذه الوسائل تنعدم النتائج . وأنت يا أخي محمود ترى كل وسائل التواصل في المجتمعات العربية ( سواء في دور العلم أو في وسائل الإعلام ) تتناول التثقيف والترفيه والتوجيه بالعامية وهذا عامل هدم لا عامل بناء فكأن الجهات المعنية متواطئة جميعها على ذلك , فأنى تجدي مهمة التعليم ? وزد على ذلك ضعف معلمي العربية لتكون الثمرة المرجوة شبه مستحيلة . وحسبك أن تقرأ عن أمة جادة وتريد أن تحيا أن الحاكم ( وهو عمر بن الخطاب ) أمر أحد ولاته ( وهو أبو موسى الأشعري ) أن يضرب كاتبه سوطا عندما لحن في كتاب كتبه إلى أمير المؤمنين , ولكننا اليوم من شدة غفلتنا نقول : ( ما على المطرب من معرب ) ... واعيباه .
الانسلاخ من الهوية هو السبب ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
أرى أن الإعراض عن تعلم اللغة العربية بحجة صعوبتها وكثرة قواعدها = حجة واهية ، وكما ذكرت الأخت / سارة أن تعلم لغة أخرى غير العربية - وهو الأمر الذي أقبل عليه الشباب باندفاع - لن يكون أسهل من تعلم علوم العربية ، وكذلك أرى أن ما ذكره بعض الإخوة من كون أن السبب في هذا يرجع إلى الكتب النحوية وأنها تتسم في معظمها بالتعقيد ولغزية العبارة ليس وجيهًا ، لأننا لو سلمنا جدلاً بهذا فهناك كثير من الكتب النحوية الميسرة التي ألفها الأساتذة المعاصرون ، والتي لا تحوج الطالب - ليسرها ووضوحها - إلى الاستعانة بمدرس ، السبب الحقيقي في نظري هو أنه قد تم - وللأسف - تغييب الجيل الحاضر من الشباب عن ثقافتهم العربية وتراثهم الإسلامي ، أي أنهم سُلِخوا من هويتهم الإسلامية العربية ، وأشربت قلوبهم تعظيم حضارة الغرب وثقافته ، فصار كل ما يمت إلى الثقافة العربية والتراث الإسلامي من علوم ومعارف وفنون بصلة وكذلك ما يتعلق بشعبنا العربي من تاريخ وتقاليد وقيم = مذمومًا منبوذًا ، ومن جملة هذا علوم العربية فقد اتخذوها وراءهم ظهريًّا ، ولكنهم كثيرًا ما يلصقون العيب بتراثهم الأدبي والكتب النحوية ويصمونها بالقصور ، ووراء هذا التغييب كما لا يخفى وسائل الإعلام ، التي وراءها كما لا يخفى أيضًا أيدٍ خفية تحرك دفتها ، والتي لها ما لها من أغراضها ومقاصدها ، وهذا المعنى قد بسطه كثير من الأدباء الغيورين على تراثهم كالرافعي والزيات ومحمود شاكر في مقالاتهم وكتبهم .
وأشير إلى سبب آخر وجدته لدى بعض المهتمين والغيورين على تراثهم أيضًا ! وهم بعض طلبة العلوم الشرعية ، فهم قد حفظوا مقولة أن العلوم : علوم مقاصد ، وعلوم وسائل أو علوم آلة ، وأن علوم العربية من علوم الآلة ، لذا زهدوا في تعلمها ، واكتفوا منها بقدر يسير هو أقرب إلى الجهل بها رأسًا ، وقد غفلوا عن أن علوم المقاصد إنما هي نتاج علوم الآلة ، فلولا علم مصطلح الحديث مثلاً - وهو علم آلة - لما عرفنا الأحاديث الصحيحة من السقيمة ، وبالتالي لم يكن لنا من سبيل إلى معرفة عقائد الدين الصحيحة ولا الأحكام الفقهية الراجحة ، والناظر إلى سير العلماء الأجلاء السابقين يجد أن معرفتهم بالعربية وعلومها لا تقل عن معرفتهم بالفقه والتفسير ... إلخ .
أسأل الله أن يرفع لواء علوم العربية ، وأن يشيد الطامس من معالم الفنون الأدبية ، بمنه وتوفيقه .
يعد النحو مدخلاً لفهم القرآن الكريم،وتفسير أي نص من النصوص، وإنَّ النحو ليس مجرد قواعد تحفظ،إنَّما هو موجه لتركيب الكلام،وبيان دلالالته على الوجه الأكمل، وعلى هذا يجب أَن يؤخذ من هذا الوجه، وإذا وجهنا وجْهَنا تلقاء أَهل السلف الصالح من العلماء الإجلاء في شتى العلوم والفنون رأيناهم يحفظون أَلفية ابن مالك ـ على سبيل المثال ـ ثم يطبقونها في شروحهم لبعض ما يتقنون من علوم في التفسير والحديث،ولعل العلامة المحدث ابن حجر ـ رحمه الله ـ خيرُ دليل على ما أذهبُ إليه في كتابه:" فتح الباري.."، فالمسالة أخذ القواعد وتطويعها في الكلام والكتابة .
ولا أنكر أَنَّ طريقة إلقاء النحو من قبل بعض الأساتذة والمعلمين هي التي تنفر الطلاب من هذا العلم،من خلال الطرح والأمثلة التقليدية،على طريقة: جاء زيدٌ،وضُربَ عمْروٌ ...
وإني لأرجو من القائمين على مناهج التعليم في العالم العربي أنْ يكون لديهم الوقت الكافي في عمل ورشات عمل،تتلاقح فيها الأَفكار في أيجاد لبنة مشتركة في تطوير مناهج اللغة العربية،وتطويعها ضمن متغيرات متلاحقة في زماننا ... وليس مجرد أَفكار حبيسة في العقول،تقذفها رياح التغير والسرعة التي نعيش في هذه المرحلة .... وفي هذا القدر كفايةٌ لمَنْ تأملَه ....والله من وراء القصد.
إن الدعوات إلى تيسير النحو العربي ، التي انطلقت منذ مطلع القرن الماضي ، قرن العشرين ، كانت كلمات حق أريد بها باطل ، وكانت من بين الدعوات المشبوهة ، التي طلع بها علينا الأعداء ، عن طريق المستشرقين ، وأتباعهم من المستغربين ، ومن هذه الدعوات : الدعوة إلى اللهجة العامية ، والدعوة إلى كتابة العربية بالحرف اللاتيني ، والدعوة إلى عدم الاحتجاج بالحديث الشريف ، والدعوة الفرعونية ، والدعوة إلى السفور ، والدعوة إلى ( تحر ير ) المرأة ، ومنها هذه الدعوة إلى تيسير أو تجديد أو تسهيل أو ( تبسيط ) قواعد اللغة العربية ، وقد كان من دعاة ذلك ( طه حسين ) وبعض تلاميذه ، وقد طرح طه حسين تصوراته للتجديد على مؤتمر موجهي اللغة العربية العرب فرفضوها ، فحاول إجبار موجهي اللغة العربية بمصر ، حين كان وزيرا للمعارف ( التربية ) على قبولها ، فأدخلت المناهج ، ولكنها ألغيت بعد ثلاث سنوات لأسباب ( أكاديمية وقومية )
فليس بالإمكان أفضل مما كان ، وللتعلم ثمنه ، والثمن هو الصبر على صعوباته ، فهل اشتكى أحد من صعوبة النظرية الذرية وغيرها من العلوم التي تشيب لها النواصي ، لماذا يريدون التسهيل في النحو العربي وحده ?. إن أفضل تيسير على من يريد التعلم أن يكون المرء يرغب في التعلم ، فمن لا رغبة لديه يجد البسملة أصعب من نقل جبل ، ومن كانت لديه الرغبة والهمة ، وجد نقل الجبل من مكانه أهون من التحية والسلام .داوود
الدعوة إلى تيسير النحو قديمة ، وكان أحدثها ما جاء مطلع القرن الماضي ، وقد تبين أنها جميعا تهدف إلى الهدم ، فلم يقدم أحد أي بديل عما يدعو إلى هدمه، وكل ما قدمه أولئك نتفا تراجعوا عنها لاحقا ، فمثلا أراد ( الدكتور تمام حسان ) إلغاء تقسيم الكلمة إلى ( اسم وفعل وحرف ) فزعم أن الأسهل تقسيمها إلى ( اسم وفعل وحرف وصفة وضمير وظرف وخالفة ) كما عارضوا نظرية العوامل ، فأحلوا محلها نظرية القرائن ، ومن قرائنهم قرينة ( الرتبة ، والتضام ، والربط ، والضمائر ، والبنية ، والنغمة ، وأمن اللبس ، ومستوى الصواب والخطأ ، والتماثل الصوتي ) .. أما أفضل أنواع التيسير فكانت الإلغاء ، إذ إن شوقي ضيف وحده طالب بإلغاء ثمانية عشر بابا من أبواب النحو والصرف ثم تراجع عنها ، وحتى كبير دعاة التجديد ( إبراهيم مصطفى ) تراجع عن تأليف كتاب ثان كان قد وعد به .. ولو جمعنا ما طالب الدعاة بإلغائه لألغينا اللغة العربية عدة مرات ..
المشكلة هي أن الطالب لا يرغب في التعلم، لقد أقنعوه بأن النحو صعب ، لقد عجزوا عن مجاربة العربية بكل سلاح، ثم هزموها بكلمة واحدة : ( النحو صعب ) فالعلم جد لا هزل ، أما الجفاف والرطوبة فليس ذلك من مقاييس العلم ، فهل يشكو أحد من جفاف الفيزياء والرياضيات والفلسفة ?. العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلّك .فليست المشكلة في المعلم ولا المتعلم ولا المنهج ، المعضلة في عدم الرغبة في التعلم . فابحثوا عن الدافعية ..
حبذا لو كنت صقر السماء ( واللي ما يعرف الصقر يشويه) فالصقور لا تعيش في الوديان ، وإنما يقول العرب في مثل هذا ( حية الوادي ) أبعدك الله منها .. والمشكلة أيها الصقر ليست مشكلة تعليم النطق ، وإنما هي مشكلة تعليم الكتابة والخط والإملاء ، فهل شعرت بمقدار الأخطاء الكتابية غير المطبعية في تعقيبك الكريم ?!. وأمثل بقولك ( زاء ) وإنما هو حرف الـ ( زاي ) سأقبل بأن المشكلة مشتركة بالتساوي ، فتعليم النطق لا ينفك عن تعليم الكتابة وبالعكس ، والحق ليس معي ولا معك ، فكلانا بعيد عن المشكلة الحقيقية ؛ لأن المشكلة فوق النطق وفوق الكتابة ، إنها مشكلة لغة مستهدفة لأمة مستهدفة وعقيدة مستهدفة .. والسلام .
أخي العزيز صقر الوادي .. تحية وبعد .. كنت أظنني كتبت لك تحية على تعقيبك ، ولكنني فوجئت بعدم وجوده في هذه الزاوية ، فلربما ضاع في زاوية أخرى وأنا لا أدري .. على أية حال فأنا أعتذر إليك عن كل كلمة فهمت على وجه غير مقبول ، فأنا ما أريد إلا الخير وإن خانني التعبير ، وربما كان لهذا الجهاز دور في ذلك ، فربما ظننت أنني أكتب لأخ يعرفني وأعرفه ، مع أن الأمر بحاجة إلى بعض الرسميات و( الإتيكيت ) وأنا لا أدري فعذرا .. وأقتنص عبارتك الأخيرة فهي خير ما يرضيني ويرضيك : (نرجع ونقول التقصير والخطاء مشترك بين الكل وذلك لاستسلامنا للغزو الفكري ) مع أنني لست من المستسلمين .. والله من وراء القصد .. أما اسمي فالحقيقة أنني تركته كما ورد في الوثائق الرسمية ، ولست أجهل القاعدة .. ولست أعجميا والله .. وشكرا ..