العلم مصدره الوحي (3 ) ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
يسرني العودة إلى هذا الموضوع خصوصاً بعد أن قرأت وإستفدت من المشاركات الجديدة للأخوة والأخوات ، وأتمنى طرح بعض التساؤلات :
الأخ الذي تكلم عن موضوع السحر والكهانة والعرافة ، ولم أتميز أسمه ، طرح موضوعاً في غاية الأهمية لكن يلزمنا فيه إختصاصي في تاريخ الأديان ، خصوصاً ما يتعلق منها بالأديان التي سبقت ديانات التوحيد ، كالفرعونية وديانات بلدان الهلال الخصيب من سومرية وبابلية وكنعانية وغيرها ، بالإضافة إلى العبادات التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية ، لأنها إرتبطت بها . هذا الموضوع شيق ، إلا أنه عويص ومتشعب لطول الفترة التاريخية وإتساع رقعتها الجغرافية . أما الشعر والحكمة فمعانيها اللغوية لا يوجد حولها إلتباس كبير . وأما علم الأولين وعلم اليقين فمعانيها محددة في القرآن وهي من المسلمات .
لكن ما أردت التساؤل حوله هو قولك عما أسميته : "إشكال الوحي والعلم ."
ثم قولك : " فالنصوص التأسيسية تعمد إلى هذا التمايز بل تقره وتتبناه " . بما يعني بأنهما مفهومان متمايزان .
لم توضح لنا كيفية الإشكال ، إن كان هناك إشكالاً من وجهة نظرك ?
ثم لم توضح لنا : ما هي هذه النصوص التأسيسية التي تتكلم عنها والتي تقر هذا التمايز وتتبناه ?
كل ما جهدنا في قوله حتى الآن كان هو أنه لا يوجد تمايز في الإسلام بين الوحي والعلم ، وأن العلم مصدره الوحي ومرجعه الوحي ، وأنه لا يوجد علم خارج الوحي بل أن الجهل بهذه الحقيقة هو الجهل بعينه .
ما قاله الأخ أحمد بهذا الصدد يوضح الصورة ، فالعلوم في التاريخ الإسلامي ، إنطلقت في البداية من القرآن ومن ضرورات الحياة الإجتماعية تحت ظل الدين الجديد . أول ما تفرع عن القرآن هو علوم الحديث ، ثم الصرف والنحو ، ثم الفقه والتفسير . ثم جاءت العلوم الأخرى تباعاً وفقاً لضرورات حياتية الإجتماعية ولكن دون أن تنفصل أو أن تستقل عن الدين . أبسط ما يدلل عليها هو أنك لا تجد كتاباً في أي علم كان لا بيدأ بالبسملة والحمدلة والصلاة على النبي المصطفى وعلى صفحة كاملة على الأقل من الدعاء والشكر لله ، هذا أبسط دليل .
ثم أنه لا يوجد " سيرورة " ، وأعتقد بأن الأصح هو أن نقول" صيرورة "وهو مصطلح جديد . هذه أيضاً يلزم فيها نقطة نظام . إفتراض الصيرورة يتضمن إعتماداً لنظرية هيغل في التاريخ وما رافقها من فلسفات على نحو متواز، كالماركسية والداروينية والتي تعتبر بنظرية النشؤ والإرتقاء وتفترض بأن للتاريخ إتجاه تطوري متصاعد نحو هدف معين . الإسلام لا يرى في التاريخ إلا حركة دائرية له بداية ، هي خلق آدم ، ونهاية ، هي يوم القيامة ، نتميز فيه الصراع بين الخير والشر ونختار بينهما . بإمكان من شاء أن يؤمن ، ومن شاء أن يعتقد لنفسه إعتقاداً آخراً يجده بنظره أقرب إلى الحقيقة ، إلا أن الخلط في المفاهيم مسؤول لدرجة كبيرة عن تخبطنا الفكري وهذا ما أجرب توضيحه .
|