مرج الكحل: من كبار شعراء الأندلس، وهو صاحب البيتين السائرين على كل لسان:
|
(مَـثَـلُ الرزق الذي تطلبُهُ |
|
مَثَلُ الظلِّ الذي يمشي معكْ) |
(أَنـتَ لا تُـدركُـهُ iiمُتّبعاً |
|
فَـإِذا وَلَّـيـتَ عَنهُ iiتَبِعَك) |
|
| وقصيدته في وصف نهر الغُنْداق، أشهر قصائد على الإطلاق. وهي في وصف نهر الغنداق في (لوشة) التي منها لسان الدين الخطيب، وقد نعتها لسان الدين بأنها (بنت غرناطة)
وتقع القصيدة في (13) بيتاً، لكنني رأيت د. فوزي سعد عيسى يصر على أنها (22) بيتا، وذلك في بحث موسع عن الشاعر شارك به في وقائع مؤتمر التراث الأندلسي، الذي انعقد تحت رعاية الجمعية العلمية للمخطوطات والتراث في جامعة الإسكندرية في ربيع عام (2004) برئاسة د. الطاهر أحمد مكي. ونشرت بحوث المؤتمر بعنوان (أبحاث مؤتمر التراث الأندلسي) (دار الوفاء في الإسكندرية: عام 2004م) وهو يكرر في هذه المشاركة ما نشره عام (1979م) بعنوان (ابن مرج الكحل حياته وشعره) والظاهر أن د. فوزي لم يطلع على كل الأعمال التي تلت دراسته القديمة عن مرج الكحل، وأهمها: نشرة الأستاذ صلاح جرار (مرج الكحل الأندلسي: سيرته وشعره) (عمّان: دار البشير 1993م) وتقع في (148) صفحة. وهي من أوثق النشرات العلمية لشعر (مرج الكحل) وأخباره. والخطأ الذي وقع فيه د. فوزي أنه جمع بين قصيدتن لمرج الكحل وجعلهما قصيدة واحدة في (22) بيتا، معتمدا خطأ مطبعيا قديما، لحق كتاب (نفح الطيب) الذي اعتمده د. فوزي، وهذا الخطأ المطبعي هو قوله (5/ 50) بعدما أورد القصيدة برواية لسان الدين لها نقلا عن (الإحاطة): (وقال منها:) وقد وردت هذه الجملة في (الإحاطة): (وقال أيضاً) نشرة عنان (2/ 344). وسبقه إلى الوقوع في نفس الخطأ العباس بن إبراهيم السملالي المتوفى عام (1959م) في كتابه (الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام) (4/ 196) ويبدو أنه اكتفى برواية نفح الطيب، بينما نجد كل المصادر التي أوردت القصيدة متفقة على عدم ذكر أي بيت من القطعة الثانية في هذه القصيدة: وهي =كما أوردها د. جرار في تخريجه=: (الإحاطة في أخبار غرناطة) للسان الدين (2/ 344) و(السحر والشعر) للسان الدين أيضا (ص102 طبعة المعهد الأسباني العربي للثقافة ، مدريد 1981م) و(تحفة القادم) لابن الأبار (ص 82) و(ديوان الأدب: خ) للشهاب الخفاجي (ت 1069هـ): (ورقة 368) و(مجموعة أشعار العرب: خ) للحرمي البصري محمود محمد الماجد، و(سرور النفس) للتيفاشي) (ص150) و(الوافي في نظم القوافي: خ) لأبي الطيب الرندي (ت 684هـ) وبرنامج شيوخ الرعيني (ص2099 و(نفح السحر في اختصار روح الشعر: خ) للحافظ أبي عثمان ابن ليون الأندلسي التجيبي (ت 740هـ) (ورقة 32) و(رايات المبرزين) لابن سعيد (ص123) و(المرقصات المطربات) لابن سعيد (ص 92) و(المقتطف من أزاهر الطرف) لابن سعيد (ص108) و(المغرب) لابن سعيد، و(أدباء مالقة) لابن عسكر (ص73) وهي كذلك أيضا في كتاب (أزهار الرياض: 2/ 315) للمقري نفسه صاحب (نفح الطيب) مما يؤكد أن عبارة (وقال منها) خطأ مطبعي.
ثم إن ابن الأبار (ت 658هـ) صرح في كتابه (تحفة القادم) أن قول مرج الكحل: (ما اصفر وجه الشمس..) خاتمة القصيدة، واتهمه بأنه اهتدم هذا البيت من قول ابن جرج الكاتب (ت 575هـ):
|
أمَّا ذُكاءُ فلم تصْفَرَّ إذ جَنَحَتْ |
|
إلاَّ لفُرقةِ هذا المنظرِ iiالحسن |
|
|
ثم إن القصيدة حسب ما ارتآه د. فوزي أصبحت تحمل أربعة إيطاءات، وهي (الكوثر، وخد معذر، ومعصفر، وأخضر) وتكرار (خد معذر) إيطاء قاتل،? ولا يخفى أن الأبيات الأربعة قد اشتملت على معان مكررة ? ويشهد لذلك أيضا أن أول القطعة الثانية بيت مصرَّع= والتصريع: التزام قافية العجز في الصدر، مما يؤكد أنه مطلع قصيدة أخرى، ويضاف إلى كل ذلك قوله في خاتمة القطعة الثانية
|
لَو لاحَ لي فيما تَظاهَرَ لَم أَقُل |
|
عَرِّج بِمُنعرجِ الكَثيبِ iiالأَعفر |
|
|
فكيف يتجاوز د. فوزي كل هذه الحجج ?.
وأنبه هنا إلى تفسير بيتين وردا في القطعة الثانية وهما:
|
وقـرارة كالعشر بين خميلة |
|
سـالت مذانبها بها iiكالأسطر |
فـكـأنها مشكولة iiبمصندل |
|
من يانع الأزهار أو بمعصفر |
|
| والمعنى: تشبيه القرارة وهي الحديقة، بالعشر القرآني المزخرف.
ولقصيدة مرج الكحل في وصف نهر الغنداق معارضات، منها معارضة شمس الدين الكوفي الواعظ، ومطلعها:
|
روح الـزمان هو الربع iiفبكّر |
|
وانهض إلى اللذات غير مذكَّر |
|
|
ومعارضة ابن خميس التلمساني، ومطلعها:
|
نظرت إليك بمثل عين iiالجؤذر |
|
وتبسمت عن مثل سمطي جوهر |
|
|
وانظر في (تحفة القادم) على (الوراق) ما قيل في وصف الأنهار، عند قوله: (كثر التولع بهذه الأبيات). أما ابن مرج الكحل: فهو أبو عبد الله، محمد بن إدريس بن علي. من مشايخ شعراء الأندلس في عصر الموحدين، ذكره الرعيني ضمن شيوخه في (برنامجه) وترجم له ابن الأبار في (التكملة) وابن سعيد في (المغرب) ولسان الدين في (الإحاطة) وآخرون، ووهم القفطي في كتابه (المحمدون) حيث جعل (مرج الكحل) اسم بلدة في جزيرة شقر، وقال في نسبته: (الكحلي) ?.
ولد مرج الكحل عام (554هـ ) في أسرة فقيرة، كانت تتعيش ببيع السمك، في (جزيرة شقر) شرقي الأندلس، وهي جزيرة نهرية، من جزر (بلنسية) وبينهما (18) ميلاً. وكان كما ذكر عبد الملك المراكشي (مبتذل اللباس على هيئة أهل البادية، ويقال: إنه كان أميا) أي في مطلع شبابه. وقد شهد في شبابه (معركة الأرك) عام (591هـ) التي أسفرت عن أكبر انتصارات المسلمين في الأندلس، ثم لم يبرح أن شهد معركة (العقاب) وهي المعركة التي هزم فيها المسلمون شر هزيمة عام (609) والتي كانت بداية لأفول نجم دولة الموحدين. وخاصة بعد ثورة زيان بن مردنيش في بلنسية في صفر (626هـ). وكانت وفاته في بلده يوم الإثنين (2/ ربيع الأول/ 634هـ) وذلك بعد سقوط قرطبة بعام واحد. وقبل عامين من سقوط بلدته (بلنسية). ولا يزال ديوانه في عداد الدواوين المفقودة، وذكر ابن الأبار في ترجمته ديوانه فقال: (وقد حُمل عنه ديوان شعره، وسمعت بلفظه كثيرا منه). انظر ما وصلنا من شعره منشورا في (الموسوعة الشعرية: الإصدار الثالث) ومجموع شعره فيها (221) بيتا، في (52) قطعة. وزاد د. جرار قصيدة على نشرة الموسوعة، تقع في (11) بيتا، وهي القطعة (48) في نشرته، استخرجها من (الذيل والتكملة) وأولها: (الحمد لله على كل حال) ومن أخطاء نشرة الموسوعة، أن البيت الأول والثاني من القطعة (خففوا عنا قليلا) ليست من شعر مرج الكحل. وسقوط البيت (9) من القطعة (19) حسب نشرة جرار.
ومن جميل شعره قوله:
|
فـلا رحلت إلا بقلبي iiظعينة |
|
ولا حملت إلا ضلوعيَ هودجا |
|
|
وقوله:
|
يا عاذلي ماذا تضرُّك شقوتي |
|
الـقلبُ قلبي والعذابُ عذابي |
|
|
وقوله:
|
وقـالـوا ذُكرنا بالغنى iiفأجبتهم |
|
خمولاً وما ذكر مع البخل ماكثُ |
وما ضر أصلا طيبا عدمُ iiالغنى |
|
إذا لـم يغيره من الدهر iiحادث |
|
|
واشتهر من أمره مهاجاته الشاعر أبي حريز محفوظ بن مرعي الشريف، القائل في مرج الكحل:
|
قد أهلك الإسلامَ شؤمُ مديحه |
|
هـلا أشـار بمدحه iiللروم |
|
|
ومما هجاه به مرج الكحل قوله:
|
وغدٌ يرى الصلوات نافلة له |
|
ويقول بالتعطيل iiوالتحريف |
|
|
وقوله:
|
أيـا عجبا ما للشريف iiيذمني |
|
ويـبغضني حتى كأني iiمسجدُ |
ولا عيب عندي غير أني مسلم |
|
وأنَّ اسْمِيَ اسْمُ الهاشميِّ محمدُ |
|
|
ومن نوادره ما حكاه لسان الدين في (الإحاطة) من أن صديقه أبا بكر محمد بن جهور كتب إليه بعد أن رأى له (مرجا أحمر) قد أجهد نفسه في خدمته فلم ينجب:
|
يـا مرج كحل ومن هذي المروج iiله |
|
مـا كـان أحوج هذه الأرض iiللكَحَل |
ما حُمرة الأرض عن طيب وعن كرم |
|
فـلا تـكـن طمعا في رزقها iiالعجل |
لـكـن شـيـمتها إخلاف iiصاحبها |
|
فـمـا تـفـارقـهـا كيفية iiالخجل |
|
| فأجابه بقوله:
|
يا قائلا إذ رأى مرجي iiوحمرته |
|
ما كان أحوج هذا المرج iiللكَحَل |
هـو احمرار دماء الروم iiسيّلَها |
|
بالبيض من مرّ من آبائي الأُوَل |
أجـبته إذ حكى من قد فتنت به |
|
في حمرة الخد أو إخلافه iiأملي |
|
|
|