إذا كان أدب الرحلة الغربي قد تمكن من تنميط الشرق والشرقيين، عَبْرَ رسمِ صورٍ دنيا لهم، بواسطة مخيِّلةٍ جائعةٍ إلى السِّحري والأيروسيِّ والعجائبيِّ، فإن أدب الرحلة العربي إلى الغرب والعالم، ركّز، أساساً، على تتبع ملامح النهضة العلميَّة والصناعيَّة، وتطوّر العمران، ومظاهر العصرنة ممثلة في التطور الحادث في نمط العيش والبناء والاجتماع والحقوق. لقد انصرف الرَّحالة العرب في القرون الثلاثة الأخيرة إلى تكحيل عيونهم بصور النهضة الحديثة في تلك المجتمعات، مدفوعين، غالباً، بشغف البحث عن الجديد، وبالرغبة العميقة الجارفة لا في الاستكشاف فقط، من باب الفضول المعرفي، وإنما، أساساً، من بابِ طَلَبِ العلم، واستلهام التجارب، ومحاولة الأخذ بمعطيات التطور الحديث في أوروبا، واقتفاء أثر الآخر للخروج من حالةِ الشَّلل الحضاريِّ التي وجد العرب أنفسهم فريسة لها. هنا، على هذا المنقلب، نجدُ أحد المصادر الأساسية المؤسِّسة للنظرة الشرقية المندهشة بالغرب وحضارته، وهي نظرة المتطلِّع إلى المدنيَّة وحداثتها من موقعه الأدنى على هامش الحضارة الحديثة، المتحسِّر على ماضيه التليد، والتّائق إلى العودة إلى قلب الفاعلية الحضارية.ماذا تعرف عن أدب الرحلة العربي إلى الغرب في الفترة التي نتحدث عنها? وما رأيك بهذا الأدب، وأهميته كجسر تواصل بن الشعوب? إن تداول هذا الأمر وخوض النقاش فيه من شأنه أن يمكننا من معرفة طبيعة نظرة العرب إلى الغرب، لعلنا نتوصل معاً هنا من خلال النقاش إلى الأسباب الأكثر دلالة للفجوة الحاصلة بين العرب وأوروبا بصورة خاصة والتي تعتبر الجار الأكثر قربا لنا بين أمم الغرب.