شاعرية العقاد 2 كن أول من يقيّم
ولعلّ حرمان العقاد المبكر من التعليم النظامي والجامعي قد ترك في نفسه ربما شعورا مركبا بالنقص من جهة، والكبر والتيه من جهة أخرى. فلم يكن يرى كبيرا غير نفسه أو أستاذا دخل في عباءته أو خرج منها. وقد ضاعف ذلك من حسّاسيته وتناقضاته أحيانا؛ حيث رفض الدكتوراه الفخرية وجائزة الدولة التقديرية، في حين كان لا يتردد في طلب المال من بعض أصدقائه بطريقة لا تخلو من توسّل واستجداء! لقد كان العقاد رأسا كبيرا في المعارك الأدبية التي شهدها جيله في تبادل التهم بالسرقة من الآداب العالمية والشتائم والسباب. وأشهر معاركه كانت مع الرافعي وشوقي. ولم تكن النوازع الشخصية والثأرية بعيدة عن تلك الخصومات. وقد تنازع مع الرافعي في حب مي زيادة كما هو شأن بقية رجال الفكر والأدب الذين كانوا يحضرون مجلسها الذي كانت تعقده في كل ثلاثاء والذي قال فيه عبد الرحمن شكري: إن لم أمتع بمي ناظري غدا لا عاد صبح يا يوم الثلاثاء وكان الرافعي قد أصيب بمرض أفقده القدرة على السمع الا قليلا من أصوات لم يكن يتبينها، فكان العقاد خصمه اللدود يسخر منه ويصفه بالثرثار الأصم! ولعلّ شهرة شوقي التي كان يرى العقاد أنها مصطنعة تروّج لها صحف مأجورة وصفها بالخرق النتنة، وشعوره بالمرارة والإحتقان لكساد شعره في سوق الأدب، من أسباب تلك الحملة النقدية غير الموضوعية التي شنها العقاد على أمير الشعراء. بل تجاوز في الكلام عن شوقي وشعره في كتابه (الديوان) الذي نشره مع زميله إبراهيم المازني، أصول النقد الموضوعي وأدب الحوار، مدفوعا بحماس الشباب وطريقة ذلك الجيل باستعمال الألفاظ الجارحة والنقد العنيف مع الخصوم. وإذا كان العقاد بحق واحدا من أفضل المنظرين لحركة التجديد في الشعر الحديث. فإنّ شعره الذي أراده تطبيقا نظريا لما ذهب إليه في آرائه النقدية، لم يكن أكثر من نثر موزون، أو نظم عقلي لا روح فيه ولا خيال أصيل ولا شاعرية كما قال ناقدوه. ماهو مقدار الحق في مثل هذا التقييم لشعر العقاد أمر متروك لأصحابه. لكن هذا مضمون ما قاله أغلب من كتب عن العقاد باستثناء طه حسين الذي رأى- لسبب ما- أن يتوّج العقاد أميرا للشعر بعد شوقي. |