كثيرا ما يكون للمبدع أو المفكرأو الفيلسوف وحتى السياسي مثال أو قدوة له في الحياة، يتغذى من فكره، ويتمثل طريقته وأسلوبه، يحاكيه ويقلده ثم يخرج من عباءته وقد ينقلب عليه في كل شيء، هذا إن لم يصبح واحدا من أعدائه ومنتقديه! وهذا رأي معروف في الحياة الفكرية عامة. حالة قد نجدها في السياسة وفي نواحي متعددة من الأدب والشعر والفلسفة.. أصيب العقاد أظن في وقت مبكر بمرض أضعف مقاومته وزاد من حسّاسيته تجاه البرد؛ فكان يلفّ حول عنقه باستمرار مايقيه من نزلات البرد الثقيلة. وقد تكون النزلة الصيفية بسبب كثرة الفايروسات واتشارها أثقل من نزلة الشتاء. وما يخيف الكاتب خصوصا ليس هو المرض، بل خشية العجز عن مواصلة القراءة والكتابة والبحث. قد يكون في أسلوب العقاد- كما هو شائع- ذلك الإلتواء والتقعّر والإيغال الشديد في الفكرة حتي يميتها بحثا واستقصاءا فلا يبقي لماء وجهها رونقا أو نضارة. لكنّ الكثير مما كتب العقاد يتسم بوضوح الفكرة ودقة العبارة ومتانة الإسلوب. بل أجد بين العقاد وطه حسين مشتركات عديدة، قد لا تتفق مع الرأى الذي كان يضع العقاد في خانة أصحاب الإهتمام بالفكر والتعمق الفلسفي. أما كتابات طه حسين فهي تمتاز عندهم بوضوح الفكرة وجمال العبارة وأناقة الإسلوب. قد يقترب طه حسين كثيرا من أسلوب العقاد في تتبع تفاصيل الفكرة الى حدّ المبالغة وانقطاع النفس، وكثيرا ما يكون العقاد مسترسلا، عفويا وشفّافا في أسلوبه. أول ما قرأت كانت كتابات العقاد، كل ما يقع في يدي من مؤلفاته كنت أقرأها قبل سواها من كتب الأدب والشعر وغيرها. ما كان يعجبني في العقاد شخصيته وتمرده وعناده في الحياة الفكرية والسياسية والإجتماعية.. أما كتاباته فهي عندي اليوم ذكرى جميلة لقراءات تركت أثرا طيبا في النفس والوجدان تخطّاها الزمن والعمر والتجربة وقراءات أخرى مختلفة. وكل شيء في وقته ممتع وجميل ومفيد. ولم أراجع ما قرأت له من أعوام بعيدة إلا كتابا أو كتابين وبعض مقالات متناثرة .أما شعره فيبدو أنّ حظه عندي لا يزيد على نصيبه عند غيري. ربما هو البخت والجد كما قال المتنبي: هو الجدّ حتى تفضل العين أختها وحتى يكون اليوم لليوم سيدا وللحديث بقية.. |