مجالس العزاء3 ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
أعود الى مواكب العزاء، ومسيرة الحزن التاريخي الطويل، سندنا في ذلك ما قال أصحاب الشأن أنّ أول من أقام مجالس العزاء الأئمة أنفسهم. فقد ذكروا أن علي بن الحسين الذي شهد أحداث كربلاء ومصرع أبيه وأهل بيته، كان إذا أراد أن يشرب الماء يبكي، فيقول له خادمه: أما لهذا الحزن من نهاية، فيجيبه: حتى الشاة تسقى قبل ذبحها وقد قتل أبي عطشانا ورضّت الخيول صدره، وقطع رأسه وطيف به في البلدان...
بل قالوا إنّ أول من بكى على الحسين هو جده المصطفى عليه السلام. جاءت به أمه فاطمة بعد ولادته الى النبي، فحمله بين ذراعيه وضمّه الى صدره وبكى. سألته الزهراء: ما يبكيك يا أبتاه، قال: يقتل ولدك هذا في أرض تسمى كربلاء.
فهل تاريخ أهل البيت على الأقل فيما نقله الرواة يمكن أن يساعدنا في قبول هذه الصورة الجنائزية والبكاء الدائم؟ فعلي بن الحسين الذي شهد مأساة كربلاء، كان قد انقطع الى العبادة والعلم ولم يشترك بعد ذلك في أي نشاط أو عمل معاد للحكم. وكان أهل المدينة قد ثاروا على يزيد بن معاوية، فاعتزل علي بن الحسين الناس ولم يشترك في الثورة. بل آوي آل مروان في بيته وجمعهم مع أسرته كما هي عادة هذه الأسرة في المروءة والكرم. وكان يعرف بالسجّاد لكثرة عبادته. أما ولده محمد فقد اشتهر بالعلم حتى سمّي بالباقر لغزارة علمه.
وأما الإمام جعفر الصادق فقد ورث عن أبيه العلم والسماحة وأدب الحوار والتواضع، وملكة الفقه في الدين حتى صار إماما للأئمة وصاحب مدرسة فقهية. والشيعة الإثنى عشرية كانوا ولا زالوا يتعبدون بالمذهب الجعفري في الفقه. وقد وصفه الإمام مالك بقوله: كنت آتي جعفر بن محمد، وكان كثير التبسم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اخضر واصفر. ولقد اختلفت إليه زمانا، فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليّا، وإما صائما، وإما يقرأ القرآن. وما رأيته قط يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على الطهارة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه. وكان من العلماء العباد الزهاد الذين يخشون الله، وما رأيته إلا يخرج الوسادة من تحته، ويجعلها تحتي...
|