جذور المحبة ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
مرة أخرى أضطر للدخول عاجلا إلى هذا الملف الساخن مرحبا بعودة أستاذنا (مستشار الحرية وحامل لوائها) المحامي الأستاذ عبد الرؤوف النويهي معتزا بكلمات المحبة التي غمرني بمودتها، اعتزازي بصداقة أستاذنا (المعلم) وشاعرنا صادق السعدي متمنيا ألا يضع قلمه في هذه المعركة فهو أقدر من يكتب في هذا الموضوع فقد ذاق وعرف وعاش وعاشر وعاقر وتمرمر مع الطائفية ومخالبها، ونام واستيقظ على فوهة بركانها، ولكنه استطاع أن يحرر حياته من كف عفريتها، وهو في كل ذلك أقرب ما يكون من (صور حياتي) التي قضيتها تحت أروقة أخرى، وجدت أثناءها كراما أودت الحياة ببيانهم، وأجاويد يبذلون أغلى ما يملكون في سبيل الوصول إلى بناء مجتمع يكون الانتماء إليه نعمة يشكر الله عليها لا محنة وبلاء وخزيا وخجلا. لم يكن في بالي بالأمس أن أكتب ما كتبت لما دخلت إلى هذا الملف، بل دخلت لأكتب عن زيارتي إلى أصفهان، قبل ثلاث سنوات، فكتبت ما كتبت ونسيت موضوع رحلتي إلى أصفهان. وقد قصدتها لأداوي جراحي بالطواف في أرجائها ومساجدها ومدارسها. ولم أنزل فندقا واعتذرت من السائق الذي أوصلني إلى الفندق أني سأبحث عن فندق يناسبني، وركبت أول حافلة رأيتها، ولم تمض دقائق حتى استوقفني منظر نهر الزندروذ وعشرات الزوارق الملونة تعوم فوقه كالفراشات، والناس على ضفافه بطولها مدى النظر. فنزلت من الحافلة وأخذا ألتقطت بعض الصور فإذا بشاب يقصدني، حسبت أنه سيخبرني أن التصوير ممنوع، وإذا به يسلم علي بكل تودد ويطلب مني سيكارة، فلما أعطيته سيكارة طلب أخرى لصديقه، فقلت له فما رأيك أن تدلني على مكان يبيع القهوة والشاي، ففهمت منه أن أصفهان لا تباع فيها القهوة (التركية) وإنما الشاي فقط، وفي غضون دقائق صار (مهدي علي نساج بور) أول أصدقائي في أصفهان، وتلاه صديقه أحمد كهنه كار، شربنا الشاي معا ثم تناولنا الغداء في أفخم مطاعم أصفهان، ثم سألني مهدي : في أي فندق نزلت ؟ فأخبرته أني لم أنزل في فندق. فسأل: فأين حقائبك ؟ فقلت له ليس معي حقائب، أنا هنا فقط لمدة ثلاثة أيام فما رأيك أن أنام فيها عندكم في البيت وأعطيك أجرة الفندق عن ثلاثة أيام، فطار فرحا وسارع لإخبار أمه بضرورة أن تحضر لي غرفة عندهم، وبعد أقل من ساعة كنت أغط في القيلولة، واستيقظت مساء لأرى والد مهدي وأمه وأخوته وأقاربه وقد عرفوا أني من بلاد الشام، ولم يرتابوا أني شيعي، وليطمئن قلبهم سألني والد مهدي، انت شيعي والحمد لله ؟ فقلت له: (لا والله انا سني) ولكني لا أميز أبدا بين الشيعة والسنة وأنا أتيت إلى أصفهان لأراها من كثرة ما قرأت عن اخبارها وأخبار رجالها في التاريخ وقد كانت لي حاجة في (جزيرة كيش) وهي لا تقضى إلا بعد ثلاثة أيام لذلك اغتنمت الفرصة لزيارة أصفهان. كان مهدي هو الوحيد من بين كل الذين رأيتهم وتعرفت عليهم يصدقني في كل ما أقول، وكان لعينيه لمعان خاص هو الذي أشعرني بهذا الشعور. وكنت طوال تطوافي في أصفهان أستشف صورة أول قافلة أصفهانية أمت بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، بل كنت ربما احتد شعوري فحسبت أني أصطدم ببعض مواكب تلك القافلة، وأوجه الشبه بين أصفهان ودمشق تصل إلى درجة كنت أرى أحياء كاملة هي نسخة طبق الأصل عن مثيلاتها في دمشق، ولولا أن نهر دمشق (وهو بردى) ينقسم في منطقة الشادروان إلى سبعة انهر لكانت أصفهان هي دمشق بعينها. لا يمكن أن أنسى أيامي التي عشتها في بيت الفنان علي نساج بور وكنت قد كتبت قصيدة حول هذه الزيارة ونشرتها فور رجوعي من أصبهان في الوراق، ولا يزال يرن في سمعي قول مهدي يغني كما علمته (أصفهانه طريقي، مهدي وأحمد رفيقي، ضياء نامه حريقي) على وزن الأغنية (لا تضربني لا تضرب كسّرت الخيزرانه) ودمتم بخير |