العثمانيون والفرس ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
وكتب التاريخ مشحونة بتبادل التهم والسباب بين علماء وكتاب المذهبين المختلفين. فلم يكن اسماعيل الصفوي صاحب بدعة غير مسبوقة. وقد شهد العراق قبل ذلك صراعا مذهبيا بين الشيعة والسنة، كما عرف الصراع بين المذاهب السنية نفسها اتسم بالعنف والتكفير أيضا، لكن لم يصل الامر يوما الى تعريض الناس الى الفتنة وقهرهم والنيل من عقائدهم وشتم رموزهم الدينية بالصورة التي عرفها العراق بعد الغزو الصفوي. وكما تعرّض علي بن أبي طالب الى الشتم على المنابر في مرحلة ليست بالقصيرة من تاريخ المسلمين بلغة عربية فصيحة، فقد أخذ كل من أبي بكر وعمر حصلتهم من هذه الشتائم بالعربية والأعجمية! وتعرّض السنة في العراق الى بلاء عظيم. ولمّا كان الصراع سياسيا في طبيعته وجوهره، فقد قرر السلطان العثماني أن يصفي حسابه مع الدولة الصفوية التي كانت قد أخذت في الإتساع وتهديد تخوم الدولة العثمانية ولكن بغطاء مذهبي هو الثأرلأهل السنة في العراق. وبالفعل شنّ السلطان سليم الأول حملة شعواء على الشيعة في الأراضي التابعة لسلطة الدولة العثمانية، قتلا وتشريدا. وفي كل الاحوال لم يكن أكثر الضحايا طرفا في هذا الصراع المذهبي البغيض بين الفرس والعثمانيين. ولعل من أغرب قضايا التاريخ التي سفكت فيها دماء ملايين من البشر، وخلفت ولازالت أضغان ومدارس وأطنان من الحبر والورق، وحروب حديثة استعملت فيها أقذر الاسلحة وأشدّها فتكا بالبشر، أقلام ورجال فكر وعلماء دين، ملوك وسلاطين... أن تكون هناك قضية غاب خصومها، ومحكمة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، موكّلون بلا وكالة، وقضاة يصدرون أحكاما في غياب أصحاب الحق الشرعي في المطالبة بالحقوق. وجمهور دخل قاعة المحكمة بطريق القهر والإكراه، وانقسم بمرورالزمن وما ورث الخلف عن السلف، الى فريق موالاة وفريق معارضة. مسرحية تاريخية هزلية جنائزية من الدم والدموع قرّر الممثلون فيها كما ذكر بعض أبطالها أنّ جده السابع كان قد أوصى ولده إذا سقط عن خشبة المسرح أن يكمل الدور ولده من بعده حتى لحظة التجلي والظهورأو قيام الساعة. والعراق كان ولايزال الأرض التي حملت هذا الارث الثقيل دون سواها من البلاد العربية، ودفع أبناؤها وما زالو ثمن سياسات داخلية وخارجية، لم يكونوا يوما طرفا حقيقيا فيها إلا بالقدر الذي يدفع فيه الحاكم الناس في كل مرة بما يمارسه ضدهم من إقصاء وتهميش وسياسة غير عادلة ولا منصفة، عدوان وقتل وتشريد الى التخندق الطائفي في محاولة لحماية هويتها التي يريد الحاكم الطائفي انتزاعها بحجة مصلحة الطائفة التي يزعم أنّه يمثلها. ولنا عودة إن شاء الله |