تهافت المثقف ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
رأي الوراق :
دخلتُ المجلس فشعرت بالوحشة. أين الاصدقاء والسجالات بين الأنداد والمحبين. هل خلص الكلام وانفضّ المجلس. أم هي سنة الأشياء، ولكل شيء عمر مفترض! أم أن وسائل الإتصال الأخرى مثل الفيسبوك وغيرها قد شغلت اهتمام البعض فانصرف إليها مودعا أياما جميلة يرى من المتعذر رجوعها؟ ملل أم استراحة؟ أم الظرف الذي تمر به بلادنا حيث يلوذ بعضنا بالصمت مكتفيا بما يرى ويسمع، حيث يُمتهن الكلام وتشاهد العجب. كانوا عندما يريدون التعبير عن إعجابهم بحديث يسمعونه أو يقرؤونه يقولون : هذا هو الكلام. أين هو الكلام في كل هذا الصراخ والشد االإعلامي الذي نشهده اليوم؟ كل الذي نسمعه لا يبعث على الراحة ولا يداوي جرح أحد. الفراغ كبير وليس في المجلس من نسامره. شخصية واحدة تحاور نفسها في مسرح لامعقول وفي فضاء يردد صدى كلام غير مفهوم. كنت أستمع لحوار شاعر يقال أنه كبير لأن كلامه كبير وسنّه كبير، يتحدث عن زعيم كبير. سأله محدثه: أنت تحبه... أجاب: أنا أعشقه! هذا الزعيم ليس هو القذافي وإلا لكانت كارثة وفضيحة كبرى. لكنّه زعيم من طراز مختلف من وجوه، وإن تشابها من وجوه أخرى. لماذا تعشقه أيها الشاعر الكبير؟: لقامته الفارعة، وسكار هافانا. أنت معذور اذن أيها الاديب الأريب في حبك لقائد ذا قامة فارعة ينحني أمامك لاشعال سكار من النوع الفاخر مختوم بختم القائد ومستورد من دولة ثورية تناهض الإمبريالية العالمية في أيام الحصار والشعب يموت جوعا ومرضا. ولكن أليس من الحق أن نقول أن ذلك كان ضرورة للتعبير عن قوة الدولة وصلابة موقفها في وجه العدو الذي يريد ان تركع لإرادته الغاشمة بإذلال الأمة بشخص زعيمها؟ هيبة الدولة ورمز عزّتها وقوّتها: عربة من ذهب، وسكار هافانا! ذكر لي أحد الأخوة الأتراك ونحن نقف في باحة أشهر قصور آل عثمان الى جانب أحد الجدران: أن هذه البلاطات تقوم على كميات كبيرة من الذهب. والقصة تقول: أن إحدى الدولة الاوربية عندما سمعت بنية السلطان العثماني في بناء قصر جديد، بعثت اليه مقدار من الأموال الذهبية لبناء ذلك القصر. شعر السلطان بالإهانة، كما شمّ راحة كريهة من هذه المبادرة، فأمر أن يكسّر الذهب ويخلط مع مادة البناء استخفافا بقيمته، وتعبيرا عن صلابة الدولة وقوة اقتصادها. نلفّ وندور حول فكرة نخشى أن تولد شوهاء في زمن اللامبالاة. كل ما نرى ونسمع يثير فينا الفزع قبل اليأس والقنوط. لم أشعر بهذا اليأس والقرف والمرارة القاتلة كما الآن. زمن متخشب نخرت فيه سوسة الفساد في السياسة والدين والأخلاق والأقتصاد ... لم أشعر بالخوف أيام الحروب والملاحقة والعسف، أيام التحدي على ما كان فينا من قلة حيلة وضعف في مواجهة نظام عات بما لا يوصف أو يقاس. كان هناك أمل وأصرار على العمل والعيش والقراءة بمتعة لم أعد أجدها اليوم. حتى الطعام لم يعد كما في أيامنا التي خلت، لا طعم ولا رائحة طيبة. الأشياء، كل الأشياء بلا مذاق. هنا في بلاد الغربة والبرد والضباب، أو هناك حيث الشمس كما يرى السياب، أجمل في بلادي من سواها. وقد أتفق معه، لكن لا خير في بلاد لا كرامة للإنسان فيها ولا حرمة مصانة. وما دمت في ذكر السياب فمن نافلة القول أن أذكر أن السياب عاش في الغربة مريضا بائسا، ومات وحيدا. وعاد محمولا بنعش يدور فيه بعض الحمالين بحثا عن بيته وأسرته. |