جناية الحاكم، جناية المحكوم كن أول من يقيّم
رأي الوراق :
يقول عبد الرحمن بدوي في كتابه سيرة حياتي: يئست نفسي اذن من كل شئ في مصر: حاكم طاغية مستبد طيّاش، وشعب مسلوب العقل والإرادة مطواع لكل ظالم مستبد...نعم قد يزول الحاكم بعد وقت قد يكون قصير.. لكن لن يتغيّر شئ كثير لأن داء الأستبداد قد تمكن من الحكم فصار من العسير اقتلاعه...فحتى لو جاء حاكم مستنير عادل فسرعان ما تلتف حوله كأغشاب العلّيق حاشية من الإنتهازيين والمتملقين.... وكان بدوي قد سافر في صيف عام 1937 الى أوروبا عن طريق الجامعة المصرية. فأقام أربعة اشهر في منشن عاصمة الحركة النازية. قرأ فيها كتاب كفاحي لهتلر، وشاهد هتلر واستمع الى إحدى خطبه النارية التي تركت أثرا كبيرا في نفس الفتى الذي لم يتجاوز العشرين. كما قرأمقالات عديدة عن الأسس التي تقوم عليها الحركة النازية. فكانت حصيلة هذه الإقامة في منشن التعرف على الثقافة والسياسة والروح الالمانية؛ فتعاطف معها بوعي كبير كما يقول. ورأى ضرورة استلهام النموذج النازي لإستنهاض الوطنية المصرية. ويقول إن إعجاب المصريين بالتجرية الألماني كان أصيلا، لاسيما أن الألمان لم يكن لهم تاريخ استعماري لمصر ولا لأية دولة عربية أو إسلامية. كما قرأ في السنة الاخيرة من الإبتدائية بضع مقالات عن نيتشه وشوبنهور. ويبدو أن ذلك كله قد ساهم في وضع كتابه عن نيتشه بعد ذلك. ولكن بدوي الذي لم يخفي اعجابه بالتجربة النازية بل وفي شخصية هتلر ومشروعه القومي الذي تميّز بالغطرسة والعنصرية والإستبداد بالحكم، شن حملة شعواء على عبد الناصر وأركان حكمه لأسباب قد تعود الى موقف الحكومة المصرية من تحديد ملكية الأرض الذي تضررت منه عائلة عبد الرحمن بدوي. ولأسباب شخصية تعود الى مزاج هذا المثقف الكبير الذي يتسم بالحدة والغرور والتعالي على الجميع. فهو جبل شامخ كما يقول عن نفسه، وخصومه طنين ذباب! يقول: تدخل الجيش في الحياة السيايسة والإقتصادية للمواطنين بما يسمى بتصفية الأقطاع وتولى عبد الحكيم عامر هذه المهمة، بدلا من الإهتمام بالجيش والسلاح. فلا عجب أن ينهار الجيش المصري من أول ضربة ... فكانت هزيمة من أنكر الهزائم التي عرفتها مصر في تاريخها. وكانت وسائل التنصت والتجسس كفيلة بإبلاغ كل نقد أو تذمر حتى ولو كان خافتا شبه صامت الى زبانية المخابرات الذين استباحوا كل حرمة، واختصوا أنفسهم بكل ما يطلبون من العملة الصعبة. هذا في الوقت الذي كانوا فيه يجهلون كل ما يدبره أعداء مصر من إعدادات للهجوم ومؤامرات للإطاحة بمصر ...وكان التنافس في خدمة المخابرات شديدا للغاية، خصوصا بين المثفقفين من أساتذة الجامعات، وكبار الموظفين في الوزارات، والأدباء والفنانين لإنهم رأوا في ذلك أنجع وسيلة للوصول وأسهلها، حتي صار التفسير الشائع بين الناس أن صول أحد الى منصب كبير هو أنه من رجال المخابرات، فإذا كان المنصب أقل شأنا قيل عن صاحبه أنه من عملاء المخابرات... وتحوّلت مصر الى سجن كبير لا يخرج منه إلا السجّانون) وإذا كانت الجماهير المغلوبة على أمرها، والمطحونة بين سندان الفقر والجهل ومطرقة الحاكم الظالم المستبد، تخضع لمنطق القطيع وتسير بقوة العصى، تتقلب أهوائها، وتتناقض مواقفها. تصفق للحاكم مادام قويّا في سلطانه، وتخذله وتنقلب عليه متى ما ضعف، أو وجدت عليه أعوانا أشداء، فتناقض المثقف أو المفكر أشد خطرا، وأبلغ أثرا في صناعة الحدث التاريخي. يُذكر أن هتلر كان من المعجبين بالفيلسوف نيتشه وما كتبه عن الرجل السوبرمان وعظمة العرق الجرماني وتمجيد القوة واحتقار الضعيف. والأول عاش طفولة مضطربة عنيفة، كان أبوه يضربه بقسوة، فكانت القسوة وعدم الرحمة منهجا اتبعه هتلر في حياته السياسية. وكانت جدته لأبيه قد تعرّضت للإغتصاب وهي تخدم في أحد البيوت التي قد يكون أهلها من اليهود. فقد كان هؤلاء على قلتهم في ألمانيا في يدهم الإقتصاد وأغلب ثروة البلد. بيقت هذه في نفس هتلر، فمنع عمل المرأة الألمانية في بيوت اليهود! بل قرر تطهير ألمانيا من شرورهم. ولكن كيف ذلك وهم في عروقه! وقد دفع العالم وليس أوروبا فحسب ثمنا باهضا لذلك. أما نيتشه فيشترك مع هتلر في كثير من نزواته العقلية،واضطرابه النفسي، وحبه للموسيقى والفن. وربما هناك مشتركات أخرى لانتبيّن أثرها، منها اعتلال بدن نيتشه الذي أوصله في النهاية الى الجنون التام. في المجلس القادم نكمل حديثنا إن شاء الله |