نزلة برد ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
رأي الوراق :
أجد أكثر من فكرة تقفز الى الرأس كلما بادرت الى كتابة موضوع كنت قد استجمعت بعض خيوطه في الذهن، وتزدحم المشاهد والصورالمختلفة فتدفعني دفعا باتجاه حديث اتجنب الخوض فيه. ربما لأني أصبحت بسبب ما أرى وما اسمع قدري المذهب وإن كنت فيما أزعم بلا مذهب! والويل لمن ليس له مذهب. فلا كعبا بلغت ولا كلابا. حتى مقتل القذافي كان يمرّ أمام عيني كأي مشهد من هذه المشاهد اليومية الدموية التي اعتدنا عليها. لم أفرح بموت الرجل ولم أحزن لفراقه أيضا. وجود ساخر، ومقتل أشد سخرية
أرانب غير أنهم ملوك مفتحـة عيـونهم نيــام
وأجسام يَحَرّ القتل فيها وما أقرانها إلا الطعام
ربما هي نزلة البرد تفعل فعلها، فتدير الرأس وتعبث بالأفكار. أحاول أن أتجنب ما استطعت ما يثير حساسية البعض.لا تستطيع وأنت تكتب عن التاريخ أن تفصل بين ما هو ثقافي أو أدبي أو اجتماعي، عما هو سياسي. قد نختلف بالطبع في العوامل المنتجة للصراع، هل العامل الإقتصادي أم الديني أم السياسي أم كل هذه العوامل مشتركة؟ طبعا ما نكتبه هنا لا يرقى قطعا الى مستوى البحث الأكاديمي أو العلمي الدقيق. إنها محاولة نتتبع من خلالها مسيرة تاريخية تحفل بالأحداث والصراعات والقصص الغريبة والمثيرة. وما يهمنا في المحصلة هو أن نفهم بقدر ما يتسع له فهمنا، وما تسعفنا فيه الذاكرة من أحداث كادت أن تنسى ولم يبق منها إلا القدر اليسير، نستعين به في ربط الحاضر بالماضي، علنا نفهم ما يدور من حولنا، وأن نترفّع عن القبول بمهمة الثور الذي يدور معصوب العين.
نسمع هذه الأيام من يصف الجماهير بالغوغاء والمغفلين. والغريب أن نسمع هذا الكلام ممن يعتقدون أن الأمة لا تجتمع على ضلالة. فإذا كانت الأمة غير الشعب أو الجماهير فمن هي الأمة إذن؟ الفقهاء وخواص العلماء القائلون بوجوب طاعة الحاكم مهما فعل. أم النخبة المثقفة التي سوف نأتي على تناقضاتها بعد ذلك؟ أم من بالتحديد؟ إنها بالفعل عودة ونكوص عجيب في أخطر ظرف يمر به العرب في تاريخهم المعاصر منذ الحرب العالمية الثانية.
كما نشهد تناقضا مخجلا هذه الأيام ، سواء كان ذلك من السياسيين أم من المثقفين أم ممن يسمون أنفسهم محللين في الشأن السياسي وأصحاب الفكر الحر! ورجال دين. لماذا إذن كل هذه الدماء التي سالت بفتوى هؤلاء المثقفين الأحرار وهم يدعون الشباب ويدفعوهم الى جهاد المحتل والغازي لأرض المسلمين. لماذا اختلف الخطاب اليوم، لماذا كل هذا الصراخ والإجتماعات المحمومة للتدخل الأجنبي؟ هل أصبحت أمريكا عدو الأمس صديق اليوم؟ أم أن أردوغان الذي لا يتورع عن التصريح وهو وزعيم حزب إسلامي وحاكم لبلد أغلبيّته من المسلمين: أنه يسير في طريق حماية قيم العلمانية في البلاد. وأن حزبه إسلامي معتدل غير معاد للغرب، أصبح هو القشة التي يتعلق بها أصحاب الأوهام والمشاريع الخاسرة. أما وزير خارجيّة تركيا أحمد داود أوغلو فيقول إنهم- حزب العدالة والتنمية- ورثة الدولة العثمانية، و يتصرف بالفعل على هذا الأساس، ويهدد وكأن هذه الدولة العربية أو تلك مقاطعة عثمانية. هذا الرجل الذي يعول عليه البعض، له شبكة علاقات واسعة وحميمة مع كبار ساسة أسرائيل. فهل هذا يكفي أم نتحدث عن العلاقات الإستراتيجية والعسكرية بين البلدين. قد يقول البعض: هذا قبل وصول الإسلاميين. منذ عام 2002 والإسلاميون في السلطة فماذا فعلوا غير تاكيد هويتهم القومية في المنطقة وتعزيز نفوذها كما تفعل إيران. وحزب العدالة والتنمية كان قد انشقّ عن حزب الفضيلة لأهداف يعرفها المطلع على علاقة الإسلاميين بالعسكر في تركيا، وعلاقة العسكر بإسرائيل.
يبقى الكلام عن أسطول الحرية. طلبت تركيا من إسرائيل أن تعتذر وأن تقدم تعويضات لأسر الضحايا الأتراك وسوف ينتهي كل شي وتعود العلاقات سمنا على عسل. وقد صرّح أكثر من مسؤول اسرائيلي أن ما حدث مجرد سحابة صيف سوف يتجاوزها الطرفان، وأن العلاقات بينهما أقوى من أن يؤثر عليها مثل هذا الحادث. وهذا ما تريده تركيا، المحافظة على هيبتها من جهة، وتأمين مصالحها القومية من جهة أخرى. ومن حقها ذلك، بل نحن نصفّق لها بحرارة وإعجاب كبير. ولكن ماذا عن قضايا العرب وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي يراهن البعض فيها على الدور التركي؟ هل يمكن لدولة لها كل هذه العلاقات العسكرية والاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، أن تكون حليفا أو مدافعا عن الحق العربي في فلسطين. مالكم كيف تحكمون، وبأي ميزان تزنون؟
ونختم كلامنا بما صرّح به أردوغان: أن المسلسلات التركية المدبلجة قد أصبحت واحدة ومن وسائل التقارب بين تركيا والعرب!
فهل نحن أمة محمد، أم أمة مهند؟! |