البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : كيف حسبتها يا أبا الطيب؟    قيّم
التقييم : التقييم :
( من قبل 3 أعضاء )

رأي الوراق :

 صادق السعدي 
19 - يونيو - 2011
 
أتى الزمان بنوه في شبيبته          فسرهم وأتيناه على الهرم
 
والذين هرموا في اننظار المخلص كثر. هذا الرجل الكهل بكل عفويّته وغيره ممن ماتوا وهم يحلمون، وحلموا وهم في لحظة الفجيعة أن شيئا ما لابدّ أن يكون في نهاية النفق المظلم.
 
لكن البداية التي أراها في هذه الأمسية وأنا في كامل اللاأبالية في التعبير والكياسة المعهودة في حضرة اللغة الكريمة أن تستميحنى ألف عذر وعذر. كنت قد وعدت أن تكون لي وقفة مع ما يجري في الشارع العربي من أحداث أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير متوقعة لا لأننا كنا قد آمنا بالواقع المر على أنه قدر مقدور من الله تعالى ولا غالب لقدره وقضاءه، ولا لأننا قد أدمنا عبادة الأصنام غير الآدمية فأصبح ذلك مالوفا بحكم التكيّف الشرطي، وإنما هناك- في ظني القاصر- جملة من المسائل التي يفترض الوقوف عندها وفهمها جيدا في سياق ما يجري من أحداث تعيدني الى زمن ليس ببعيد كثيرا.
 
قبل الدخول في التفاصيل لابد من الإشارة الى عنوان هذه الأمسية التي دخلتها من بيت أبي الطيب. ولأنني أجد مايحدث في غاية الغرائبية والريبة أيضا، تداعى الى ذهني الآن مشهد مصرع المنتنبي. وأغرب ما في قصة المتنبي أن يكون مقتله في أسخف قصيدة كتبها من ملأ الدنيا وشغل الناس قديما وما زال. قبح الله هذه اللحية يا سبّاب، ألست القائل:
 
الخيل والليل والبيداء تعرفني              والضرب والطعن والقرطاس والقلم
 
وأنا ذاك يا ابن اللخناء، هكذا نقل الرواة، قتل عددا من المهاجمين وجرح بعضهم، ثم خارت قواه فقتل مع ولده محسّد وغلمان كانوا معه. ولم تكن هذه نهاية الفاجعة. ذكر أحدهم أنه مرّ على مصرع المتنبي، فرأى بدنه مفصولا عن رأسه، والزنابير تدخل من فيه وتخرج من حلقه!
 
القمر كما يبدو لي من خلال النافذة  في تمامه وكما له، يعيد صياغة المشهد في المخيلة و يسقط ما يشاء من تفاصيل الصورة. وفي حساب النجوم وطوالع السعود والنحوس أقول خيرا إنشاء الله وأبدأ الحكاية:
 
في الساعة السابعة والنصف تماما سمعت صفارات الإنذار. كنت قد سهرت طوال الليل أنتظر ما يسفر عنه الصباح من تهديد كان جورج بوش الإبن قد وجهه لصدام حسين بضرب العراق إن لم يسحب قواته من الكويت. ولم يكن عندي غير المذياع وبالكاد كان قادرا على إيصالي بأخبار العالم الخارجي. ولمعرفتي بما يدور وأبعاد اللعبة! أدرت الموجة باتجاه إذاعة إسرائيل! طائرات التحالف بدأت هجومها على العراق، قصفت أهم الأماكن الحيوية والإستراتيجية..... اقشعر بدني، لم أستطع بالضبط تقييم مشاعري تجاه مايحدث في تلك اللحظة. سقوط هذا النظام بكل ظلمه واستبداده وعبثيّته كان حلما يعاقب عليه قانون البعث، لا فرق فالبعث هو البعث!
لكن ما هو الثمن؟ كنت بصدق مشوّش التفكير، تتنازعني نشوة الرجاء بالحرية ورغبة جامحة بضرورة تغيير هذا الواقع الهزيل المفجع.....
 
قبل ذلك بأعوام همس بأذني أحد المشايخ من آبائنا المفطورين بصدق الرؤيا: لو حدث يوما وقامت ثورة في العراق ضد النظام، فحاذر أن تكون وقودا لها. لقد اكتوينا بالنار قبلا وركبها غيرنا والنتيجة كما ترى.
 
واكتويت بالنار، وللحديث بقية..
 
 
شاهد التعليقات الأخرى حول هذا الموضوع
أضف تعليقك
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
ثوب عنترة ووجه شيبوب    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
 
   وعاد أخيرا من رحلته المحفوفة بالأهوال والمخاطر على حمار ضال في صحراء الجزيرة العربية. ذهب بحثا عن النوق الصافير مهرا لحبيبته عبلة. وعاد بعد أن تعرّض لضربة شمس غير مسبوقة في تاريخ هذه المنطقة. نفق حصانه في رحلة المغامرة، وحالفه القدر الذي لامردّ لحكمه وقضائه، فوجد مركوبا لم يكن مناسبا لكنه يفي بالغرض والوصول الى مضارب بني عبس. أقبل وقد تغيّرت سحنته وانطمست ملامحه، وألبسته حرارة الشمس ثوبا من القطران احتفاءا بعودة ابنها البارالى حومة الدار.
   وانقسم الناس سماطين، وهكذا هم في كل زمن منقسمون في شأن أبطالهم التاريخيين. بنو عبس يصفّقون ويهللون: عنترة، عاد عنترة ومعه النوق العصافير مهر الغالية عبلة. وذبيان تسخر من هذا الإدعاء الكاذب الرخيص، وتصرّ أنّه شيبوب في ثياب عنترة.
   يبحث في مضارب القبيلة، يقلّب وجوه النساء بأجفان أحرقها لهيب العشق وحلم العودة، وعينين غائرتين من تعب السفر ومخاطر الطريق. لا يزال في الأفق خيط من ضوء الأمل يتبدّى شاحبا. ما زالت النوق العصافير بين يديه، وحمار يركبه، وسيف بتّار ورهان مع الزمن. لا بديل سوى الصبر والجلد، أو المنافي ولعنة التاريخ الذي لا يرحم المنهزمين:
 من الحلم أن تستعمل الجهل دونه          إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم
وأن ترد المــــاء الذي شطـــره دم          فتسقي إذا لم يسـق من لم يزاحــم
ومـن عـرف الأيام معـرفتي بـــها           وبالناس روّى رمحـه غير راحـم
فلـيـس بمرحـوم إذا ظفـروا بـــــه           ولا بالردى الجاري عليـهم بآثــم
   ظنّ القذّافي أن مداهنة أمريكا سوف تجعله في أمان يحكم هو وأبناءه من بعده، وأن تعويض ضحايا لوكربي بمليارات الدولارات ترسّخ قدمه أكثر في أرض ليبيا. قال بعد أن تعنتر لسنوات، ورفع سيفه في وجه الصليبيين والإستعمار: أمريكا دولة عظمى، شئنا أم أبينا! علينا أن نكون واقعيين ونتعامل معها على هذا الأساس، وإلا داستنا الأقدام! نفس اللعبة تتكرر في نفس الطريقة الساذجة والملعونة، يمارسها الحكام الذين أصبحوا كأنهم دمى متشابهة تتحرك بوتيرة واحدة على نغمة واحدة: الموت لأمريكا، الموت للصهيونية، تعيش فلسطين عربية حرة. عاش الشعب- بالأمس كان يقتل الآلاف من أبناء شعبه ويفتخر بكل وقاحة أمام الناس أنه لا يرفّ له جفن وهو يفعل هذا بالخونة وعملاء الإستعمار! حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين. وجبت لك الجنة إذن بفتوى مشايخ السلطان وعلى الضحايا السلام!
  صرنا من فقرنا نستشهد بأقوال الصهاينة: العرب لا يقرؤون، وإذا قرأوا لا يفهمون. وإذا فهمنا لا نعمل بطبيعة الحال وحكم العادة. قال لي أحدهم هنا: أنظر الى أحوال العرب، وانظر الى إسرائيل، هل كان بإمكانكم لو حكمتم هذه الأرض أن تجعلوها أجمل مما هي الآن! كانت الإجابة على طرف لساني، لكني تذكرت شعارات الحاكم العربي، فآثرت الصمت على مضض.
   وأخيرا وليس آخرا، بارك البشير تقسيم السودان بالعدل والإحسان، بعد أن كان يلوّح بعصاه الشهيرة في وجه أعداء الوحدة ودعاة الإنفصال. فعصفور في اليد، خير من عشرة على الشجرة، وربما المنفى والسجن. وليذهب الوطن الى الجحيم! 
 
صادق السعدي
10 - يوليو - 2011
أضف تعليقك