شر البلية ما يضحك     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
رأي الوراق :     
أستاذنا زهير ، ونحن وجميع محبي العدل والحرية مثله، صدمته الفاجعة الليبية التي سالت فيها الدماء بغزارة، وزاد من الفاجعة الخطاب الذي ألقاه معمر القذافي ، فلم يخف أستاذنا ما لحقه من الم ومرارة ، فباح بما باح بشعره الصادق الرائع مشكورا.. ثم أتبع القصيدة الأولى بأخرى بالغة الروعة أبان مما أبان فيها عن آلام الثكالى، وآلام الأطفال الذين رأوا بأم أعينهم آباءهم تفتك بهم آلة القتل الجنونية..ثم تبعه أستاذنا محمود الدمنهوري بتعليق كله حكمة وأناة وتبصر، فشكرا للأستاذين الكريمين. شر البلية ما يضحك يقال إن الضحك يخفف الآلام، ويقلل من آثار الضغوط والتوترات النفسية، ويفيد في حالات ارتفاع ضغط الدم وأوجاع القلوب، ولهذا قالوا: " شر البلية ما يضحك" وقد صدقوا . فالضحك عند الشدائد والبلايا حاجتنا إليه ماسة، فهو رحمة من الله لمن لم يحن بعد أجله بجلطة قلبية أو ذبحة صدرية تثيرها المآسي والنكبات. وكذلك البكاء من شدة الفرح، يخفف من أثر ما يمكن ان يسببه الفرح الشديد المفاجيء من اضرار. فمع كل ما نزل بنا من مصائب، وما اعترانا من هموم، ونحن ننظر إلى الزعماء الأجانب من أولي القوة لا يأبهون لسفك الدماء الليبية أو العربية عموما وطرفهم لا يرتد عن النفط الليبي، أقول: ومع ذلك، فقد كان خطاب القذافي مضحكا لنا لأبعد حدود الضحك، وقد دل دلالة واضحة على أن هذا الشخص مصاب بأمراض نفسية خطيرة لا شك فيها . وتذكرت وأنا أتابع خطابه قصة المجنون الذي صعد إلى رأس مئذنة وصار يقذف الناس بالحجارة والناس تفر منه مذعورة، إلى أن مر مجنون مثله وجلب منشارا وهدده بنشر المئذنة، فما كان من المجنون الأول إلا أن ذعر فهرول نازلا.. في تلك اللحظة من الخطاب والقذافي يصيح: أنا المجد... أنا ملك إفريقية وأمريكا اللاتينية...خطر ببالي، وأنا أضحك ضحكا متواصلا، لو أن مجنونا كالقذافي يحتال عليه بحيلة تخرجه من ليبيا ليتقي أهلها سفك دمائهم؛ ولكني لم أتصور وجود مجنون مثله. إن قذف الحجارة أمر ليس عجيبا من مجنون من المجانين، بل إن قذف المحصنات الغافلات يهون أمام قذف القذافي للشعب الليبي بجميع أنواع المقذوفات منذ أكثر من أربعين سنة ولا أقول عاما، ففي الأعوام خير.. ومن تلك المقذوفات اللعينة كان كتابه الأخضر المضحك المسلي الذي لا يساوي ثمن الحبر المستخدم في طباعته، والذي جعله القذافي قرآنا لأهل ليبيا غصبا عنهم، ثم توج هذا القذف بسفك دماء الليبيين بطريقة جنونية، وبأسلحة حربية فتاكة جعلتهم يتساقطون بالألوف ما بين شهيد وجريح؛ زاعما أن الشعب الليبي قطيع من الجرذان والحشاشين والمهلوسين!! ورب قائل يقول: القذافي ليس مجنونا؛ وإنما هو يتظاهر بالجنون تظاهرا لأهداف يبغي تحقيقها، وإليه أقول: كون القذافي يقبل من نفسه التظاهر بالجنون، فهذا دليل على انه مجنون فعلا؛ ولكن جنونه ليس من النوع المطبق الذي يترتب عليه سقوط التكليف ، بل هو جنون العظمة، وجنون شهوة الحكم والسيطرة ، وجنون التعلق بالنساء ممن يسمين بملكات الجمال، أو ممن اتخذ منهن حارسات، وكان الحراس من الرجال انقطعوا من الوجود... جنون دعاه ليسمح لنفسه ولأبنائه والمقربين منه بأن يتصرفوا بأرواح وأموال الشعب الليبي وفقا لأهويتهم المريضة . أخبار القذافي وبنيه تملأ الصحف والفضائيات والإنترنت من سنين طويلة، وفضائحهم الإجرامية ضد المعارضة، وفضائحهم الأخلاقية وبالصور، وفضائحهم المالية، كلها معلومة ، ومع ذلك يعد القذافي نفسه زعيما لم يجد الزمان بمثله، ويعد نفسه فوق كل نقد، وما بقي عليه، قاتله الله، إلا أن يدعي الألوهية بلسانه زيادة على أفعاله. ولو كان لدى القذافي وأعوانه ذرة من شرف ومروءة، وذرة من بصيرة ، ورأوا غالب الشعب الليبي يطالب برحيل النظام ، لقالوا: أيها الناس، لكم ما أردتم فأنتم أحرار في ما تريدونه.. ولكن هذا النظام البالغ العُنجهية والوالغ في دماء الأبرياء ما يزال غير آبه باليتامى والثكالى الذين تزداد أعدادهم في كل آن من بطش هذا النظام الطاغي المتجبر. إن ما عقد القذافي عزمه عليه وقام وما زال يقوم بتنفيذه؛ من قتل للشعب المطالب بالحرية والعدالة لا بد وان تكون عاقبته وخيمة عليه وعلى أتباعه، وسوف يكون عبرة لغيره أكثر بكثير من العبرة المستفادة ممن سبقوه في الرحيل. ولقد تأثرت بتعليق الأستاذ محمود الدمنهوري جدا، فهو تعليق حافل بالمروءة والحكمة والتدين الحقيقي زيادة على كراهيته الظلم والظالمين، وفيه ما فيه من الخشية على الأمة من أن تتناوشها الأهواء المتباينة لمن قاموا بالثورات أو ساندوها... وهذا تذكير هام لأولئك الثائرين بأن يكونوا مع مباديء الدين قلبا وقالبا، وهي المبادئ التي فطر الله تعالى الإنسان عليها. وما أروع الآية الكريمة التي ذكرها الأستاذ الدمنهوري: (( وعد الله الذي آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )) نسأل الله تعالى وهو جل جلاله خير من يجيب سؤلنا وهو وحده القادر عليه، أن يتغمدنا برحمته وهدايته، وان يحول بين هذه الثورات وبين من يبتغون الانقلاب عليها لأهداف أجنبية لا تريد خيرا بالعرب والمسلمين، ولا بالإنسانية عامة. |