كما أن التاريخ يعيش و يترعرع و يبقى حياً من خلال أقلام المؤرخين كذلك الرسائل الشخصية المتبادلة بين أشخاص يتكلمون فيها عن الحياة اليومية فيؤرخون بدون انتباه لحظات من التاريخ قد تغيب عن جعبة المؤرخ لبساطتها و إنسانيتها و صدق ما جاء فيها ، و إن سنحت لنا الظروف قراءتها نجد أنفسنا نعيش حقبة من العيش اليومي البسيط و الخالي من التعقيدات السياسية و المطامع الإقتصادية و النزعات التسلطية في الدولة و الوطن و المدينة و القرية و الحارة و البيت ... فنعيش الإنسانية التي يسعى الطمع العالمي إلى قتلها و إبادتها ...
و أنا اتجول في ("الماركت")الذي هو سوق يباع فيه كل ما قد لا يخطر على البال من حرطقات إلى جانب كل ما هو جديد و رخيص وجدت علبة تحتوي على تشكيلة من المجلات القديمة و غيرها من الأوراق صفار لونها يدل على عمرها . بعد مجادلة البائع (نعم المساومة موجودة هنا أيضاً) اشتريت العلبة بثمن بسيط و عدت الى البيت في لهفة للإنغماس في عالم مضى منذ زمن ...
بعد العشاء من مساء ذلك اليوم استقريت على كنبتي المفضلة . متجاهلة التعليقات الضاحكة الدائرة بين زوجي و ابني على ما اشتريته ، فتحت العلبة بلهفة من يفتح الباب على كنوز سليمان ... ووجدتها. درة الدرر .
حزمة رسائل كان - يوماً - للشريط الذي يلفها بريق الذهب و رونقه.
رسائل تتكلم عن افتراق الأصحاب عن الطقس عن مشاكل الاولاد و عن أشغال أخذت أحد الصديقين إلى بلاد ما وراء البحار سعياً وراء حلم بقي في خيال السراب بعيداً....
رسائل لها في الحاضر صدى ماض ينظر الى المستقبل بدمعة حزن..
لقد أعدتني يا صديق الدرب الى ماض على بعده لا يزال يبدو و كأنه البارحة ..
أم كلثوم هي مخدر الشعوب ، هذا كان أول درس تعلمناه في بداية حياتنا السياسية عقود و عقود مضت ... صوتها جميل و منفرد ، و الله يحب الجمال ، فكيف بالإنسان ؟؟ أم كلثوم – مثلنا – كانت ضحية الحكام .. استعملوها كما استعملونا ، و أنهكوها كما أنهكونا ، الفرق ... إنهم أغدقوا عليها و سرقوا منا ...
إلى متى سنبقى ماضون في طريق ليس له في الأفق نهاية تقصم ظهورنا صلبان الآلام و لا نجد مكاناً آمناً تستقر به جثثنا نُسَمِّر أنفسنا على تلك الخشبة و نستريح؟؟؟
لقد كانت البداية ... و في البداية جاءت الأنبياء . و نحن في قوقعة العجائب التي أحاطونا بها نقف مشدوهين كيف أضعنا البداية و أستغلينا رحلتها و عملنا على محو النهاية الموعودة من آخرتنا؟؟؟؟
أهي هشاشة الإيمان أم هو الإيمان الذي زورناه بدهاء التجار و حذاقة المشركين؟؟؟؟
ما أراه يا صديقي هو هذا العماء الذي ضمد بصرنا فانحدرنا عن طريق السلام في إسلامنا طيور أبابيل تطاردنا ، نحن الهاربون من الرسالة المتنكرون لمن أرسلها و الخائنون لتعاليمها ؟؟؟
لقد أصبح لباس التنكر أضحوكة و مأساة و لعنة تطاردنا
"بمعابد الإفرنج كــــان آذاننــــــا قبل الكـــتائب يفتح الأمـــــــــصارا"
هكذا بدأنا لننتهي أشلاءاً مبعثرة و بلداناً مُقطعة الأوصال الحفر تحت مساجدنا تُجفف الصحوة في آذاننا و الكفر يسلبنا عِلْماً و أمجاداً و أمصاراً فتحناها و الويل كل الويل أن نفيق يوماً من غشيتنا لنجد في راحة كفنا حفنة من رمل صحراء غدرناها و اللعاب في أفواهنا يشتهي حبة تمر نقضمها لأننا في نشوة عنجهيتنا شجرة النخل - غباوة - اقتلعناها و نقطة الماء في الواحات جففناها.
هل سنصحو قريباً و ننتصح أم أن الشيطان تمكن بتلابيب الزخرفة في عباآتنا و عُميت أبصارنا ؟؟؟؟؟
العبد المعتوق اليوم في بلادنا تنحني أمامه هامات العروش و تضيق الحبال حول أعناق أطفالنا ضحية جاهلية لم تتركنا.
المزاج رمادي اليوم يا صديق الروح و الشمس تتمنع عن الظهور ....