البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : حول الاستغراب ...    قيّم
التقييم : التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 زين الدين 
13 - ديسمبر - 2008
الإخوة الأكارم ،
تحية طيّبة ،
أخي وصديقي العزيز هشام ، حفظه الله ،
وقعت كلماتكم في خاطري أطيب موقع ، على أنّها أكبر منّي وأفخم ، فأردت أن أجيبكم إلى طلبكم بالحديث عن "الاستغراب" ، على الرغم من علمي أنّ هناك من سراة الوراق من هو أجدر مني بهذا الحديث ...
****
في الفعل " إستغرب " :
في لسان العرب " استغرب في الضحك أي أكثر منه " ، كما في معنى استغرق (تاج العروس) ويأتي غالب استعمال فعل استغرب بمعنى تعجّب واندهش ، أنظر مثلا قول ابن عربي في الفتوحات المكية : " واعلم أن الناس إنما يستغربون الحكمة من الصبيّ الصغير دون الكبير لأنهم ما عهدوا إلا الحكمة الظاهرة عن التفكر والرويّة وليس الصبيّ في العادة بمحل لذلك " ...
وليس هذا محل حديثنا ...
يأتي فعل استغرب على وزن استفعل ، ويجيء بناء استفعل :
"للدلالة على الطلب ، نحو استغفرت الله واستوهبته ، ومنه استخرجته أي لم أزل أتلطف به وأطلبه حتى خرج
أو للدلالة على التحول من حال إلى حال نحو استنوق الجال واستحجر الطين ، وأنّ البغاث بأرضنا تستنسر ،
وللإصابة على صفة نحو استعظمته واستسمنته واستجدته أي أصبته عظيما وسمينا وجيّدا ..."
سوف يلقي هذا "التنوّع الدلالي " بظلاله على الفعل استغرب ، فيأتي أحيانا للدلالة على من تحوّل في هيأته وفكره إلى سمت الرجل الغربي ، أو قد يأتي بمعنى من طلب التعرّف على الغرب وعلى عاداته وثقافته ونحله واجتماعه ... وهذا هو الأمر المقصود من الإستغراب في هذا السياق ... فهو على عكس الاستشراق ، محاولة الآخر الشرقي للتعرف على الغرب ، فهو يقوم ، كما أشار إدوارد سعيد في معرض حديثه عن الاستشراق ، على المسلّمة ذاتها أي الفصل بين الشرق والغرب " فالشرق شرق والغرب غرب " ، وكلّ قائم بذاته ، متوحد بخصائصه ، متميّز بصفاته ، مغاير للآخر ...
****
إشتهرت دعوى الاستغراب على لسان الأستاذ حسن حنفي ، في كتابه " مقدّمات في علم الاستغراب " غير أنّ الدعوى في ذاتها قديمة ، قدم الاحتكاك بالغرب ، إصطداما أو إعجابا ، محاكاة أو مغايرة ، وَلَهاً أو بغضا ....
نعثر في التراث العربي الإسلامي على محاولات عديدة للتعرف على الآخر ، سواء كان هذا الآخر شرقيا (كالبيروني مثلا في كتابه تحقيق ما للهند ...) أو كان غربيا كما هو حال الفلاسفة والرحالة العرب ...
وبينما لم يكن هؤلاء الفرنجة سوى بهائم لا تبشر بأي مشروع حضاري ، ديدنها الغزو والسطو كما يشير إلى ذلك اسامة بن منقذ ، تحوّل هؤلاء في العصر الحديث إلى نموذج أو مرآة يقارن بها تخلّف العالم المسلم وانحطاطه ... وعلى هذا نشط الحديث عن الاستغراب ...
راجع كتابات مالك بن نبي ، و محمد عمارة ، وبرنارد لويس ، ونور الدين أفاية ، وأمين معلوف ... وغيرهم في الحديث عن " اكتشاف " العرب للغرب ...
***
غير أنّه في صدد الحديث غن علاقة الشرق بالغرب من خلال مشروع الاستغراب ، لا يكون الأمر معرفيا بحتا ، بل هو فكري وإيديولوجي بامتياز ... فالمعرفة سلطة بشكل من الأشكال ، وهي في هذا السياق محاولة لقلب الطاولة على فكرة الاستعلاء الغربي ، الذي مارس على الشرق سطوته الاستشراقية منذ زمن ...
راجع مثلا دعوة إريك يونس جوفروا (عالم الإسلاميات بجامعة ستراسبورغ الفرنسية) إلى استغراب إسلامي ...على الموقع oumma.com
****
غير أنّ لهذه الدعوة ، على سحرها ، بعض المثالب :
- فهي تتّخذ من الاستشراق الغربي ، نظيرا لها ، وهي بهذا قد تعيد إنتاج سلبياته ذاتها ، من قبيل النظرة الأحادية ، والقوالب الجامدة ، وفكرة الاستعلاء ، التي قد تنعكس على مضامينه ونتائجه ...
- إنّ وصف الاستغراب بالعلم ، لهو في رأيي متعسّف بعض الشيء ، إذ ما موضوع هذا العلم ؟ إذا قلنا أنّه الغرب ، فما معنى الغرب ؟ كيف يمكن حصر هذا المفهوم ؟ سيما في ظلّ النقاش الحاصل في الغرب ذاته حول هذا الموضوع ...
أنظر مثلا كتابات إيمانويل طود حول اختراع أوربا " L'invention de l'Europe" ، أو حول التمييز بين أوربا وأمريكا داخل الكيان الغربي ذاته (كما عند محمد أركون)...
يبدو لي أنّ الاستغراب هو فضاء ثقافي للتفكير والتأمل والنقد في ظواهر يمكن ربطها بالغرب وبأشكاله
- يحاول الاستغراب إستعمال أدوات التفكير والحداثة الغربية ذاتها لنقد العرب ، ألا يكون هذا شكلا من أشكال " بضاعتنا ردت إلينا " (ولا زيادة في الكيل) ... ذلك ان استعمال هذه الأدوات لا يخلو من التسليم بمقدماتها النظرية ، وهو أمر يتعذّر من بعده نقد هذه المقدّمات ذاتها ...
ولنضرب مثلا على ذلك :
كنت قد قرأت للدكتور حسن حنفي مقالا حول الفلسفة الإسلامية (في مجموعة مقالات صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية) ، يدعو فيها إلى التخلي عن فكرة الله - عز وجل - كفكرة مركزية في الفلسفة الإسلامية ، واستبدالها بمركزية الإنسان ، وهذا الأمر في رأيي استرجاع لمعيارية الفلسفة الغربية ولنظرتها الديكارتية  ... كيف يمكن بعد هذا النظرة إلى الغرب بمنظار آخر ؟ ونحن أسرى مسلماته ، كما نحن أسرى أدواته ...
وللموضع بقية بحول الله
شاهد التعليقات الأخرى حول هذا الموضوع
أضف تعليقك
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لماذا نخاف الغرب    كن أول من يقيّم
 
أثارني النقاش الذي يدور حول الإستغراب، أو الإستشراق،  ولاحظت أن بعض الإخوة المفكرين يخشون الغرب، ويحاولون أن يستنجدوا بهذا المفكر أو ذاك من القديم والحديث وكأن الأمر يحتاج إلى كل هؤلاء الأساطين لينقذوننا من الغرب الذي يهاجمنا، ويحاول أن يطعن في هويتنا..وعلينا أن نحذره، فهو المتربص بثقافتنا، وثراثنا، وما إلى ذالك..ما العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "اطلب العلم ولو في الصين" دون أن يكون لديه حرج في أن يتعلم أبناء ملته علوم وثقافة الغير، ويبدو لي أن إشكاليتنا لها جذور نفسية عميقة تتمثل من هروبنا من مواجهة الأمر الواقع وهم أننا متخلفون ، وعلينا أن نتعلم من الآخرين كما تعلم أجدادنا، فقد كان المشرفون على بيت الحكمة في عهد المأمون من غير العرب، ولم يقل أحد حينئذ أنهم يسممون ثقافتنا العربية الإسلامية، بل ترجموا علوما عقلية ساهمت في ازدهار الحركة العلمية العربية الإسلامية، تماما كما فعل نابليون عندما دخل مصر مع الفارق بطبيعة الحال، فقد كانت الأمة الإسلامية سياسيا وعسكريا في العصور القديمة قوية، وكان الإسلام في أوجه، والأمة العربية في قمة عزها. وأعتقد أن المشكلة ليست لدى المفكر العربي، أو الإنسان العربي البسيط، فالمفكر يملك من الوسائل الدفاعية ما يكفيه ليبقى محافضا على خصوصيته، والإنسان العادي لا يزال يحافض على عاداته ، وتقاليد، ولم يستطع الغرب أن يمحوها من ذاكرته، أو من سلوكاته. المشكلة إذا عند السياسي، هو الذي يخاف من أن يتأصل الفكر الحر في المجتمع العربي، الفكر الذي ينادي بالتعددية، والإيمان بالإختلاف، وحق الأم العربية عندما تنجب أن تحلم بطفلها في يوم ما رئيسا في الدولة التي تعيش فيها، بناء على هذا فلا يجب أن ننظر إلى الغرب من زاوية السلبيات فحسب، بل علينا أن نثمن إيجابياته، ونأخذ عنه كل ما يخدم مصالحنا، وينمي مدارك أبنائنا ليساهموا بدورهم في بناء الحضارة الإنسانية..وأنا متيقن بأن عقيدتنا محمية بما فيه الكفاية لتدافع عن نفسها، بل لتقنع الآخر برسالتها النبيلة، وهي الرسالة المبنية على التسامح، والحوار الهادء الذي يتوخى الإقناع بما هو أحسن. ولعل المعضلة التي يواجهها الإنسان العربي المسلم هي سيطرة الفكر العقلاني/ (التكنولويا) على مساحة واسعة من حياتنا اليومية، هذه السيطرة تخيف العديد من الناس الذين ارتاحوا ومنذ سنين إلى التفسيرات الخرافية، والأسطورية لظواهر الكون والطبيعة، أصبح الفكر الديكارتي ( نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي ديكارت ) يزعج نومتهم، ويقلق سكونهم، ويفقدهم البوصلة التي يستهدون بها، مما يحتم عليهم مراجعة الكثير من المعتقدات التي تعلموها في طفولتهم من آباء لم تسعفهم ظروفهم للتعلم، أو معلمين لم يتواصلوا بما فيه الكفاية مع الفكر الإنساني والكوني. أو لأنهم تكونوا في مراكز ذات توجه خاص حتمت عليهم أن يتشكلوا وفق التوجهات التي أراتها هذه المراكز، وبالتالي انخرطوا في أيديولوجيتها، وتوجهاتها العامة. وقد واجه فقهاؤنا ومبشرينا نفس المعضلة في القرون الأولى للفتوحات الإسلامية، وكان السؤال هو: كيف نقنع الأخر الذي لا يتكلم اللغة العربية، ولا يفهمها بإعجاز القرآن الذي تجلى في فصاحته، وعجز العرب على أن يحاكوا ألفاظه، ومعانيه، وأساليبه، وأعتقد أن من قام بهذه المهمة التاريخية هم المفكرون الذين استعملوا العقل في الجدال، والحوار، والمناضرات... هؤلاء، كالمعتزلة مثلا، هم من أقنع العديد من الأمم التي دخلت الإسلام بصدق النبوة، وجلال الرسالة السماوية، مثل هؤلاء هم الذين يحتاجهم شبابنا في الجامعات، والمعاهد، وغيرها من المؤسسات، فمن الصعب اليوم أن تقنع الشباب الذي يتعاملون مع أحدث وسائل الإتصال، ويشاهدون آلاف القنوات، أن العالم تسكنه الأشباح التي كانت تسكن "ودي عبقر" وغيرها من وديان الأراضي العربية الإسلامية. سلاحنا المهم في مواجهة الأخر هو أن نتعلم أصول الفكر الحر، وأن نعلمه لأجيالنا.
المصطفى
17 - ديسمبر - 2008
أضف تعليقك