ذات يوم وقفت أمام طلابي في الفصل الدراسي وطلبت منهم أن يحدثوني باللغة العربية الفصحى...كانت الأغلبية عاجزة عن النطق السليم...كانت تمزج بين الفصحى والعامية... فقلت في نفسي إلى هذا الحد طغت العامية على لغتنا لغة القرآن الكريم ..والمفاجأة التي عقدت لساني عن الحديث أو التعقيب عندما طلبت طلبت منهم الاتيان بجمل إنجليزية فاعطوني الكثير منها وكلها صحيحة... خرجت من الفصل وأخذت أتحدث مع زملائي في المهنة وأخبرتهم بالذي حدث.. أجاب أحدهم : أن السبب في ذلك بسيط .. أن الطالب يقول ما حاجتي للغة العربية إن كنت سأنتقل للكلية بعد عامين وأدرس كل شيء باللغة الأجنبية ونخضع لاختبار التوفل باللغة الإنجليزية .... كما أن اللغة العربية لاتدرس بطريقة صحيحة في مدارسنا ..كما أنه لايوجد عند الطالب رصيدا لغويا يمكنه من إنتاج جمل عربية بالفصحى لأنه ببساطة لا يتوفر لديه أدوات التعبير والكلمات وبالتالي لايعرف ما يقول فيها.. وقال آخر: زد على ذلك ان اللغة بشكلها الفصيح المتوارث صارت منفصلة عن الحياة فالطفل يتحدث في بيته لغة ويذهب إلى المدرسة إلى لغة أخرى بحيث يحدث لديه انفصام لغوي يؤدي إلى انفصام ثقافي... وقال ثالث:.نحن نعلم الطلاب قراءة آلية دون فهم. ربما يتقن القراءة لكن لايستطيع أن يفكر بها.. أما الرابع فقال : اسمعوا هذا الخبر قرأته في إحدى الصحف ذات يوم.(فوجئ أحد الباحثين العرب ذات يوم، وهو يشارك في مؤتمر عقدته إحدى وكالات الأمم المتحدة، بإدراج بند " إلغاء رسمية اللغة العربية في الأمم المتحدة" على جدول الأعمال. وأقرّ المُحاضر بأنّ الأسباب التي ذُكرت لذلك منطقية ومعقولة تماماً، وهي: أن وفود الدول العربية في الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا تستخدم اللغة العربية في كلماتها ومداخلاتها. فممثلو دول المشرق " العربي" يستعملون الإنجليزية، ووفود دول المغرب " العربي" تستخدم اللغة الفرنسية. فلماذا العربية؟!. فقلت : سبحان الله ..إننا نعيش في عصر العجائب .. كنت جالسا مع أصحابي ومعنا رجل ألماني ، فأردت أن أجامله فقلت له باللغة الإنجليزية :أني أرغب في زيارة ألمانيا .. أجاب على الفور : هل تعرف اللغة الألمانية؟ . قلت:لا.. قال :لاتجد رجلا في ألمانيا يحدثك .. فقلت له : يعني أنهم لايعرفون الإنجليزية . قال : كثير منهم يعرف الإنجليزية .. وحتى العربية لكنا نعتز بلغتنا.. فقال صاحب من ضمن الجالسين: انسحب الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل ايام من مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، عندما قدم الفرنسي اغيرنست سيلييرغ، رئيس البنك المركزي الاوروبي، تقريرا اقتصاديا للمؤتمر، تحدث فيه بالانجليزية. قاطعة، بعد اول جملة، شيراك، وقال له: «لماذا بحق السماء تتكلم الإنجليزية؟» اجاب «لانها اصبحت لغة الاقتصاد العالمي»، لكن شيراك لم يقتنع، وخرج مع بقية الوفد الفرنسي من القاعة، ولم يعودوا الاّ بعد أن غير سيلييرغ إلى الفرنسية.. أما مدرس العلوم الشرعية فقال:عجبا لما نفعل!!!.. ولكن يا أخوتي عندي معلومة سوف تزعجكم.. قال تعالى في سورة الحِجر: ﴿ إنّا نحن نزّلنا الذكرَ وإنّا له لحافظون﴾. فنحن المسلمين نشعر بأن اللغة العربية الذي يبلغ عمرها قرابة ألفي عام ، والتي أنزل بها الله القرآن ، هي لغة مقدسة ولا يمكن أن يعتريها الضعف أو الهوان.. ولكن المفاجأة أن مفتي الديار المصرية الشيخ الدكتور علي جمعة في إحدى المؤتمرات أفتى وبالجلسة الأولى ( أن القرآن الكريم لا يشتمل على جميع اللغة العربية من جذورٍ وتراكيبَ ومعانٍ، وإنما على نسبة ضئيلة منها (أقل من 30% من الجذور العربية، مثلاً) وأن تلك النسبة الصغيرة في سياقاتها ودلالاتها المحددة هي التي تستمد قدسيتها من القرآن الكريم، وأمّا غالبية اللغة العربية، فليست مقدّسة، ولهذا فهي عرضة للتغيير .. والدكتوراللغوي السعودي أحمد محمد الضبيب (مدير جامعة الرياض سابقاً وعضو مجلس الشورى السعودي والمجامع العربية في بغداد ودمشق والرباط والقاهرة حالياً، وهو من المؤمنين بضرورة تعريب التعليم العالي ..لكنه لم يستطع من تعريب التعليم في الجامعة أثناء توليه إدارتها) ـ وقام هذا الأستاذ الفاضل بتفسير الآية ﴿ إنّا نحن نزّلنا الذكرَ وإنّا له لحافظون﴾، فقال: إن الله سبحانه وتعالى لم يتعهّد بحفظ اللغة العربية أو ضمان بقائها، وإنما ضمن حفظ " الذِّكر" (وهو القرآن الكريم). ولهذا فإن اللغة العربية يمكن أن تنقرض ويبقى الذِّكر الحكيم بشريعته. وضرب مثلاً لذلك بانقراض اللغة العربية في إيران بعد أن كانت لغة البلاد الرسمية والثقافة فيها، وبقي القرآن الكريم في تلك البلاد. والمثل ينطبق على إسبانيا كذلك، فقد انقرضت اللغة العربية هناك وبقي ثمة مسلمون يهتدون بالقرآن. فقلت : يا إخوتي إن الأمر جلّ خطير....لغتنا في طريقها إلى الضياع ونحن نائمون.. نصب المعادي لها شباكه في تشجيع العامية على حساب اللغة الأصيلة لغتنا العربية التي بهرت العالم في العلوم والترجمة والبحث والاختراعات في ردح ماض من الزمن.. حيث قال عنها شاعر النيل حافظ إبراهيم وهو يتغنى بجمالها: أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامــنٌ فهل سألوا الغواص عن صدفاتي فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسنـــي ومنكم وإن عز الدواء أســـــــاتـي فلا تكلــوني للزمـــان فإننــــــي أخاف عليــــــكم أن تحــين وفاتي قال الحاكم الفرنسي في الجزائر "إننا لن ننتصر على الجزائريين ماداموا يقرأون القرآن ويتكلمون العربية".. وقال المبشر وليم جيفورد باكلراف في كتابه ( جذور البلاء ): "متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكن حينئذ للعربي أن يتدرج في طريق الحضارة الغربية".. وقال المبشر تاكلي في كتابه ( التبشير والاستعمار): " يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني، لأن كثيرا من المسلمين قد تزعزع إعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية". والغريب يا إخوتي : أن لغات كانت ميتة أحياها أصحابها مثل اللغة العبرية في فلسطين ، فصارت لغة علم بعد اندثارها بقرون ... ونحن نرى ذبيحتنا حبيبتنا أمام أعيننا لغة عريقة حية نساعد على طمسها بضرتها العامية ، واللغات الأجنبية ،وقسم من أبنائها العاقين لها ،الذين تنكروا لها، وصاروا يتباهون بلغات الغير، وينظرون إليها بالدونية .. وغير مواكبة للعصر!!!!. وأقول كما قال الشاعر: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا . أبو هشام |