أركان التصوف 4 كن أول من يقيّم
نتحدث اليوم عن المحبة والمعية : إن المحبة ما بين أهل الايمان شيء أساسي في طريق الايمان وركن من أركانه التي لايمكن الاستغناء عنها ، فمن المعروف أن المحبة تعبد الطريق أمام المتعلم و تختصر له الزمن وتجعله يصل بسرعة لمبتغاه طاوياً مراحل كثيرة في فترات قصيرة ، فكما قال أحد المربين لوالد تلميذ عنده ( خذ ابنك عني فإنه لا يحبني ) أي أنه لن يتعلم مني ما دام يفقد تلك المحبة . إن هذه القاعدة التربوية لهي من صلب الدين الاسلامي وعليها بني الايمان في النفوس ، فالصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم لم تنهض نفوسهم ذلك النهوض ولم تسمو ذلك السمو إلا بمحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعشقهم له . وكذلك هي الحال ما بين المريد والمرشد فطالما أن ذلك المريد في معزل عن تلك المحبة لمن يأخذ بيده الى الله تعالى فهو من الوصول ممنوع ومن الاتصال مقطوع . فقد جاء في الحديث الشريف : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ?"? لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا لذلك نرى أن رجال الطرق الصوفية يحرصون كل الحرص على العلاقة الروحية مابين المريد ومعلمه لأن تغييراً بسيطاً في خاطر المريد مع مرشده يجعله يسيء الظن فيه واذا أساء الظن فيه انقطعت تلك الصلة فيما بينهما ، الأمر الذي يؤدي به للخروج من تلك الدائرة من حيث لايشعر فيغدو مفتقراً لتلك المشاعر العالية التي كان عليها من جراء تلك المحبة المتبادلة ما بينه بين محبوبه . على العكس من ذلك فالذي يبتغي وجه الله تعالى في تلك المحبة فإنك تراه يغذيها بحسن الظن تارة و بما تراه نفسه من حال طيب كلما تذكر معلمه وما له من فضل عليه بتسليكه تلك الطريق النقية التي جعلته يستقيم على أمر ربه ويسعد بعبادته ويترك ما سواه من أمور مختلطة لا خير فيها . عندها ينشد المريد البقاء في ذلك الحال النفسي الطيب بتلك المعية والصحبة النفسية ويسعى على الدوام أن يكون بحضور نفسي قلبي مع خالقه بمعية أهل الايمان فلا تعدو عيناه عنهم طلية نهاره وفي حله وترحاله فهو معهم ومنهم وفيهم . وذلك مصداق قوله تعالى : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا 28 الكهف . نراكم إن شاء الله في ( أركان التصوف 5 ) |