بقلم: صالح إبراهيم الطريقي. لا يمكن فهم ما حدث بالندوة الثقافية التي أقيمت بكلية اليمامة بالرياض ، حين شرع الدكتور عبدالله الغذامي يتحدث عن أزمة الثقافة العربية ، فراح أفراد التيار الإسلامي يقاطعونه ويشوشون عليه ، رغم أن الغذامي كان يتحدث عن واقع معاش في العراق ، فصرخ أحد من يسمون أنفسهم شباب الصحوة "إن هذا النوع من العلاقات الزوجية محرم وغير جائز شرعا" ، ورغم توضيح الغذامي بأنه يصف ما حدث في العراق وليس هو أمام تبيان ما حدث شرعيا ، لم يصمت شباب الصحوة وتابعوا ما جاؤوا من أجله ، وهو منع الغذامي من الحديث حتى لا يغوي البشر . قلت :لا يمكن فهم ما حدث في الندوة ما لم يعد المرء إلى الثمانينات الميلادي ليسترجع تلك الفترة والتي سميت "حرب الكاسيت" . في ذاك الوقت كان المجتمع الثقافي قد دخل في صراع بين القديم والجديد ، كان عبدالله الغذامي وبعض العائدين من الغرب بعد حصولهم على شهادات عليا يرون أن الصراع بين العرب والغرب هو صراع معرفي ، وأنه لا بد من إعادة صياغة العقل العربي ، هذا العقل الأسطوري الذي خلط الدين بالعادات والتقاليد فصنع عقيدة تدفع للخوف والتخلف ، وأنه على العالم العربي جلب الأدوات المعرفية والتي أهمها أدوات النقد التي خلصت الغرب من سلطة المؤسسة الدينية . فانبرى لهم الأصوليون يحاربون ليس التوجه الجديد بل وعرافيه ، وخرجت أشرطة الكاسيت بأصوات "بعض المشايخ" ، تعلن عن كفر هؤلاء الحداثيين والذي كان أحد عرابيهم الغذامي ، والذي لقب في أشرطة الكاسيت بـ "الحاخام الأكبر للبنيوية" ، وكانت تلك الأشرطة التي توزع مجانا ، تحذر المجتمع من هؤلاء الكفرة الذين يريدون تغريب المجتمع ونزعه من عقيدته وثقافته وجذوره ، في أحد الكاسيتات ختم أحد المشايخ محاضرته قائلا : "لا تجعلوا أنفسكم جسورا تطؤها أقدام الحداثيين ، ولا تسكتوا عن الحق خشية الناس ، والله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين" . منذ ذاك الوقت وهناك دائما شباب جاهزون للذهاب إلى محاضرات الغذامي لمنعه من الكلام ، من يصنع هؤلاء المتطرفين ? أذكر في أوائل التسعينات كنت في مكتبة الملك فهد العامة بالرياض بعد العصر ، وكنت أبحث عن كتاب لأستعيره ، لكنه كان من الممنوعات التي لا يمكن إعطاؤه إلا بورقة من الجهات المسئولة ، بعد أن وضح لي الموظف هذا ، دخل شباب أعمارهم تترواح بين 13 و 14 عاما ، وكان معهم ما يمكن تسميته الموجه أو أميرهم ، أشفقت على هؤلاء الشباب وهم يجوبون المكتبة ، ثم يأتي كل شاب منهم إلى المسئول عنه وبيده كتاب ، ليستشيره "هذا الكتاب يصلح أقرأه" ، فيتأمل الأمير الكتاب ثم يسمح له بقراءته أو ينصحه بأن يتجنبه وأن يقرأ كتابا آخر يحدده له . هؤلاء الشباب الذين تعلموا على يد أميرهم وعلى أشرطة الكاسيت ، بالتأكيد هم من كانوا جاهزين كل مرة لمواجهة الغذامي هذا الحداثي الذي يريد تغريب الأمة ، فيذهبون لكل محاضرة له يتصادمون معه ، حتى لا يغوي أحدا أو يسحرا أحد بكلامه . الخطورة ليست في هذا التشويش ، بل في أن يتقرب أحد هؤلاء الشباب الذين غسلت عقولهم إلى الله فيقتل الغذامي ، هذا الحداثي الذي يؤمن بالله ويصلي ويصوم . *نقلا عن جريدة "شمس" السعودية |