"بين الغضب لرسول الله وبين الظلم الذي لم يرضاه يوما حبيب الله"
الحمد لله الذي أرسل إلينا أحب خلقه إليه صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم , أعظم الناس خلقا وأجملهم خلقا. أحبه المسلمون على اختلاف الأزمنة والأمكنة والمذاهب حبا جما. و كرهه شرذمة على مر العصور حسدا و حقدا. وبقي فئة ثالثة بين المسلمين والكارهين وهم غير المسلمين الذين لا يهمهم أمر الإسلام في شيء لأنهم ببساطة "عايشين حياتهم". هذه الفئة, وهي الأغلبية في معظم البلدان الغير إسلامية, دائما ما نفشل, كمسلمين, في التعامل معهم عندما يحدث ما يسيء إلى رسالة الإسلام , أو إلى صاحب الرسالة. هذا الفشل نابع من أننا نستخدم أسلوبا عقيما في الرد على الإساءة وهو "معاقبة الكل بذنب البعض". وهو أسلوب فيه من الظلم ما يجعله غير ملائم لأتباع سيد ولد آدم صلى الله عليه و سلم خاصة في الدفاع عن شخصه الكريم.
خذ مثلا ما يحدث الآن من نشر لرسومات كرتونية مسيئة لشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الصحف الغربية. كما تعلمون, لقد ظهرت هذه الرسومات في صحيفة دنمركية أولا في سبتمبر الماضي. ثم أعيد نشرها بعد ذلك في صحف نرويجية وألمانية و فرنسية وأسبانية, وللأسف أردنية. أيها السادة , أكاد أجزم أن السبب الرئيسي وراء إعادة نشر هذه الرسومات هي أن ردة فعلنا شملت المذنب والبريء معا. لقد أحرقنا العلم الدنمركي و كأن رئيس الدنمرك هو من رسم وقاطعنا المنتجات الدنمركية و كأن عمال مصانع تلك المنتجات هم ملاك الصحيفة.لقد قمنا بمعاداة كل ما هو دنمركي فحولنا القضية من السعي خلف شرذمة أساؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السعي خلف الشعب الدنمركي بأكمله. تخيل لو أنك رأيت عبر إحدى القنوات الفضائية صباح ذات يوم علم بلدك مصر أو السعودية مثلا يحرق. ماذا سيكون شعورك?
لذلك كان من الطبيعي أن يتحول الأمر بالنسبة إلى الدنمركيين ومن خلفهم الأوروبيون إلى قضية وطنية يجب أن يكونوا فيها يدا واحدة. وبذلك نكون قد خسرنا الفئة الثالثة المشار إليها في أول المقال. وهي خسارة فادحة لمن كان هدفه إيصال رسالة الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قارنوا بين أسلوبنا الضوضائي في التعامل مع هذه القضية وبين أسلوب اليهود مع الممثل العالمي مارلون براندو عندما قال في مقابلة له بعض العبارات التي لم ترق لليهود. في غضون بضعة أيام , خرج مارلون براندو في مقابلة أخرى باكيا معتذرا. وحتى الآن لم يعرف تحديدا ماهية الضغوط التي جعلته يبكي.
إن قال قائل أننا لا نملك غير أسلوب المظاهرة ضد البلدان والمقاطعة فالأصح أن يقول القائل أننا تعودنا على هذا الأسلوب لدرجة أننا لمن نعد نفكر في إيجاد أساليب أخرى أكثر فاعلية وأكثر تركيزاً وأقل ظلماً . أقول أقل ظلماً لأننا عندما تظاهرنا ضد الدنمرك وقاطعنا منتجاتها وضعنا جميع الدنمركيين في سلة واحدة بين المسيء الذي يستحق بلا شك أن يعاقب وبين البريء الذي كان , قبل أن يرى علم بلده يحرق أمام العالم , من أكثر الناس تقبلاً لغيره سواءً من المسلمين أو غيرهم. بل وربما كان أقرب لأخلاق الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم من بعض المسلمين.
حتى نتمكن من إيجاد أساليب جديدة للمعاملة , أقدم الثلاثة اقتراحات التالية:
أولا: يجب علينا أن ننشئ هيئة تقوم بإحياء قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين." هذه الهيئة هدفها تقصي حقائق أي حدث له علاقة بالمسلمين ثم نشرها كاملة ومحققة ودقيقة. هذه الهيئة تمكننا من بناء ردود أفعالنا على أسس حقيقية بدلا من بناءها على أسس يختلط فيها الباحث عن الحقيقة بالباحث عن الفتنة وإثارة الشعوب. فمثلا, بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على نشر الرسومات لأول مرة , هل عرف أحدنا اسم الرسام? هل عرف أحدنا هل هو رسام واحد أم عدة رسامين? هل عرفنا اسم المحرر الذي أذن بنشرها? أم من هم مالكو الجريدة ? لقد ترك معظمنا محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة ووجهنا غضبنا نحو الدنمارك كلها... لماذا ? جزء من الإجابة على هذه اللماذا هي أننا نفتقد إلى مثل هذه الهيئة المقترحة...
ثانيا: قال الشاعر وكأنه يخاطب رسول الله تعليقا على أحداث الدنمرك:
آه لو عرفوك حقا لاستهاموا فيك دهرا
هذه الآه صدرت من قلب عرف فأحب . بما أن الحب هو شعور معظم عند جميع شعوب العالم فيجب علينا إبراز تلك القلوب إلى غير المسلمين حتى يتجدد ما قاله واحد من غير المسلمين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصفا أصحابه, فقال: " ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا." وبما أن اللغة المشتركة لشعوب هذا العصر هي الأغنية, فإنني أقترح إقامة مهرجان سنوي منقول فضائيا إلى شعوب العالم يبدع فيه أصحاب القلوب المرهفة في إبراز حبنا للحبيب صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق الأغنية أو النشيد أو القصيدة. إذا أقمنا هذا الحدث وتم نقله فإننا سنكون قد وجهنا عدة رسائل لعدة جهات:
. الرسالة الأولى: إلى الغرب , هل فهمتم , بعد أن رأيتم كل هذا الحب , لم حدثت كل تلك الانفعالات والمظاهرات في كل أنحاء العالم الإسلامي? كل هذا حدث لأن المحب مجنون عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن محبوبه.
. الرسالة الثانية: إلى الكارهين , موتوا بغيظكم , أنتم لا تتعدون أن تكونوا نقطة سوداء في بحر من الحب لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
. الرسالة الأهم: إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , إن كان هناك شرذمة حاقدة , فإن هناك مئات الملايين ممن يحبونك حبا يذكرك , بإذن الله , بعشق ثوبان وحسان وصاحبك الأول أبوبكر وابنته رضي الله عنهم أجمعين. فيا رسول الله عذرا.
ثالثا: في ظل ندرة النماذج البشرية في العالم الإسلامي التي نستطيع أن نقدمها على أنها نماذج للذين اتبعوا رسول الله هيئة وسنة ومحبة , لم لا ننتج شخصيات كرتونية تمثل هذه النماذج?
هذه الاقتراحات الثلاثة إذا نفذت بالإضافة إلى تنفيذ واجبنا الأساسي في أنفسنا وأولادنا وأهلنا في السير على خطى الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم , فإن أحدا من الشرق أو الغرب لن يجرؤ على التعدي على شخص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس خوفا من أتباعه فحسب , بل محبة وتعظيما وإجلالا له صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيضا. كما أنها ستفتح الأبواب إلى توصيل رسالة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى العالم والتي هي كما قال الأستاذ عمرو خالد أهم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نفسه الكريمة...
|