البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : عالم الكتب

 موضوع النقاش : أغاثا كريستي    كن أول من يقيّم
 Asma 
21 - يناير - 2006
ارجو من الاخو الكرام ان يكتبو لي معلومات عن الكاتبة الانجليزيه (اغاثا كريستي) كمعلومات عن حياتها....الخ
شاهد التعليقات الأخرى حول هذا الموضوع
أضف تعليقك
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
باركوجوبي : أجاثا صاحبة الخيال الجامح    كن أول من يقيّم
 

أحب أن أذكرأولاً بأن المعلومات عن هذه الكاتبه لايمكن جمعها بهذه الطريقه ولكن كمشاركة مني وردا على الموضوع أعلاه .... إن مجال البحث أكبر بكثير ويفوق التصور .. فكل المجلات والكتب والمواقع والمنتديات  وغيرها تيح مجالا للبحث الجاد والمثمر فمثلا ...

           مجلة الآداب الاجنبية - مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 121 شتاء 2005

         كتب في مقال عن   -   تضاريس الرعب والغموض في حياةوروايات أجاثا كريستي

حيث بدأ الكاتب حديثه بهذه التوطئه : وهي من إعداد سعد الدين خضر

 يزدحم عالم الرواية النسوية الإنكليزية بأسماء كثيرة...، ولاشك أن لهذه الظاهرة الثقافية تاريخها الحافل، عالجت جانباً منه الروائية (فرجينيا وولف)(1) إذ كتبت أنه "عندما نتحدث عن النساء الكاتبات، نحتاج إلى أقصى ما يمكن من الامتداد... لقد كانت الرواية وما زالت من أسهل ما يمكن للمرأة أن تكتبه، فالرواية هي الشكل الذي يتطلب أقل قدر من التركيز..!!... إن ملاحظات الازدراء واللوم والاتهام بالدونية بشكل أو بآخر التي تتلقاها النساء اللائي يتعاطين فناً ما، كانت تثير ردود أفعال مماثلة... وتصبح الرواية ذكورية فوق اللزوم أو مبالغاً في أنوثتها. وتفقد انسجامها التام أو جودتها الأساسية كعمل فني"(2). هكذا استشرفت فرجينيا وولف آفاق الرواية النسوية، وهكذا كتبت رواياتها، تلك التي يرى النقاد أن بعضها مثل بداية لكتابات آجاثا كريستي، أو أن بعض روايات كريستي مثلت امتداداً لروايات فرجينيا وولف!! (والتر ألين Walter Allen) في كتابه (الرواية الإنكليزية The English Novel): "إن أبطال فرجينيا وولف يبحثون دائماً عن نمط من المتغيرات الذي يفسر كل شيء، وفرجينيا وولف نفسها كانت تبحث عن نمط من المعنى خلال أبطالها"، ويضيف "أنها روائية ذات حدود ضيقة جداً، من المضحك القول إنها لا تستطيع خلق شخصية، فشخوصها مقنعون تماماً"(3).?

ولعلّي أجد لنفسي العذر في الدخول إلى عالم أجاثا كريستي من باب فرجينيا وولف، فثمة ميزة مشتركة في روايتهما... إنها الإثارة والغموض!... ولكن ظهور أجاثا كريستي على مسرح الرواية الإنكليزية جاء بعد أن هدأت موجة فرجينيا وولف واستقرت وأصبحت كريستي (سيدة الرواية البوليسية) و(كاتبة الجريمة الأولى) و(سيدة الأسرار) و(سيدة الموت)... الخ من الألقاب التي حصلت عليها وعرفت بها، واحتلت مكانة مرموقة في الحياة الثقافية في بريطانيا وأوروبا بل العالم...!! وطبيعي أنها لم تنل هذه المرتبة اعتباطاً، فقد كان هناك الكثير من الجهد الدؤوب والنشاط الجم الذي عبرت عنه هذه المرأة العجيبة، لا من خلال كتاباتها وأعمالها الإبداعية وحسب، وإنما من خلال سيرتها وحياتها اليومية الثرة والحافلة بالتفاصيل والأسرار...!!?

ونستطيع أن نقرأ حجم نشاطها من خلال ما عرفناه عنها، ففي عام 1962 ـ مثلاً ـ أعلنت منظمة (اليونسكو) أن أجاثا كريستي أكثر كاتب بريطاني مقروء في العالم يليها شكسبير...!! وإنها باعت قرابة أربعمائة مليون كتاب...!! وترجمت قصصها ورواياتها ومسرحياتها إلى مختلف لغات العالم بل معظمها...!! ويرى زوجها (ماكس مالوان)(4) أن ما يقرب من (2000) مليون قارئ قد قرأ كتبها إذا اعتبرنا أن كل كتاب مباع يقرأه خمسة قراء...!!!?

هكذا إذن هي أجاثا كريستي، ولنبدأ الآن ـ وبعد هذه المداخلة السريعة ـ بالتعرّف إلى حياتها التي كانت دون أدنى شك ذات تأثير قوي في أعمالها، ومن حسن حظ الباحث في حياة كريستي أنه يجد فيضاً من المعلومات والمفردات والتفاصيل عنها وعن كتبها ومسرحياتها وأسفارها وحياتها الخاصة.! ناهيك عن سيرتها الذاتية، فقد نشرت لها ثلاث سير شخصية: الأولى كتبتها بنفسها(5) والثانية كتبها زوجها (ماكس مالوان) عبر مذكراته، والثالثة كتبتها الكاتبة الأمريكية (جانيت مورغان)(6).?

أجاثا كريستي: السيرة الذاتية 1890 ـ 1976?

ولدت أجاثا كريستي Agatha Christic في مقاطعة (ديفونشير) عام 1890 من أب أمريكي وأم إنكليزية آثرت أن تظل إنكليزية الجنسية والوطن...، عاشت في بلدة (توركاي) معظم طفولتها، تقول عن نفسها: إنني قضيت طفولة سعيدة إلى أقصى درجات السعادة، تكاد تكون خلواً من أعباء الدروس والاستذكار، فانفسح لي الوقت لكي أتجول في حديقة بيتنا الواسعة وأسيح مع الخيال ماشاء لي الهوى.!! وإلى والدتي يرجع الفضل في اتجاهي إلى الكتابة والتأليف، فقد كانت سيدة ذات فتنة، ساحرة الشخصية، قوية التأثير، وكانت تعتقد اعتقاداً راسخاً أن أطفالها قادرون على كل شيء...!! وذات يوم وقد أصبت ببرد شديد ألزمني الفراش قالت لي:?

ـ خير لك أن تقطعي الوقت بكتابة قصة قصيرة وأنت في فراشك.?

ـ ولكني لا أعرف.?

ـ لا تقولي لا أعرف، فإنك (طبعاً) تعرفين، حاولي فقط وسترين(7).?

وحاولت ووجدت متعة في المحاولة، فقضيت السنوات القليلة التالية أكتب قصصاً قابضة للصدر.!! يموت معظم أبطالها.!! كما كتبت مقطوعات من الشعر ورواية طويلة احتشد فيها، عدد هائل من الشخصيات بحيث كانوا يختلطون ويختفون لشدة الزحام، ثمَّ خطر لي أن أكتب رواية بوليسية، ففعلت واشتد بي الطرب حينما قبلت الرواية ونشرت، وكنت حين كتبتها متطوعة في مستشفى تابع للصليب الأحمر إبان الحرب العالمية الأولى.?

تلقت أجاثا تعليمها في البيت مثل فتيات كثيرات من العوائل الموسرة وحسب التقليد آنذاك، ثمَّ التحقت بمدرسة في باريس وجمعت بين تعلم الموسيقى والتدريب عليها وبين زيارة المتاحف والمعارض الكثيرة في فرنسا ولم تعجب بأساطين الرسم الزيتي في القرنين السادس عشر والسابع عشر وتلك مسألة تنم عن غرابة وخروج على المألوف في مثل هذه الحالات.!!!.?

عادت إلى إنكلترا وكانت في العشرينات من عمرها... تقدّم لها عدد من الخاطبين الأثرياء والفقراء... رفضتهم جميعاً، حتَّى كان زواجها الأول من العسكري البريطاني (أرتشي كريستي) عام 1914 ومنه أخذت لقبها الذي لازمها طوال حياتها، ولكن زواجها منه فشل بسبب افتقادها (الصحبة المشتركة) أو (الرفقة الزوجية) وتلك قيمة أساسية في حياتها ظلَّت تؤكد عليها حتَّى بعد زواجها الثاني...، إذن كانت (الرفقة) التي تتعطَّش لها ولم يوفرها زوجها الأول فضلاً عن ارتباط (أرتشي كريستي) بعلاقة عاطفية مع امرأة أخرى ثمَّ تصرفه مع (أجاثا) وكأنه ربة بيت ورفيقة فراش.!! كانت تلك أسباب انفصالها عنه بالطلاق بعد أن أنجبت منه ابنتها (روزلند).?

تقول (جانيت مورغان) واضعة سيرة هذه الروائية:?

"إن أجاثا كريستي هي سيدة ريفية بكل ما في الكلمة، ليس لأنها ولدت وترعرعت في توركاي ـ المنتجع الصيفي جنوب بريطانيا ـ بل لأن مظهرها وعاداتها كانت مطابقة لحياة وعادات الحقبة التي عاشتها تماماً، ولم تمر في حياتها بأحداث دراماتيكية أو تسعى وراء المغامرة...".!!!(8).?

... في عام 1930 تزوجت أجاثا كريستي من (ماكس مالوان) عالم الآثار المعروف بعد أن التقت به في إحدى سفراتها إلى العراق، وكان عمرها يومذاك 39 سنة بينما كان عمره 26 سنة.!!.?

وقد أتاح لها زواجها هذا أن تزور معظم بلاد الشرق الأدنى، فتجولت في بلاد العراق والشام ومصر وبلاد فارس...الخ، ووفَّر لها هذا التجوال فرصاً ممتازة لكتابة أجمل رواياتها وقصصها المليئة بالأسرار، المفعمة بالغموض، المعتمدة ليس على مواقع الحدث في بلاد الشرق الساحرة فقط وإنما على خيال الكاتبة الجامح، أيضاً ولغتها المتدفقة السيالة وقدرتها الفريدة على ابتكار الشخصيات الغامضة والمثيرة وتحريكها عبر الرواية باتجاهات مختلفة تُذهل القارئ.!! بل تشدَّه وتدهشه.!! ومثلما ابتكر (السير آرثر كونان دويل) شخصية (شرلوك هولمز) وزميله (الدكتور واتسون) كذلك نحتت أجاثا كريستي شخصيات المفتش (هركول بوارو) والكولونيل (بريس) و(مس مين ماريل)...?

ولعل الاستقرار العائلي الذي أتاحه لها زواجها من (مالوان) ـ فضلاً عن عوامل أخرى ـ كان من أسباب استقرارها النفسي والفكري ممَّا هيأ فرص الكتابة والإنتاج الأدبي حتَّى وهي ترافق زوجها في إقامته بالمواقع الأثرية. يقول (ماكس مالوان)(9) في مذكراته عن طقوس الكتابة لدى زوجته "شيدنا لأجاثا حجرة صغيرة في نهاية البيت(1) كانت تجلس فيها من الصباح وتكتب رواياتها بسرعة وتطبعها بالآلة الكاتبة مباشرة، وقد ألَّفت ما يزيد على ست روايات بتلك الطريقة موسماً بعد آخر..." ومن المفيد أن نذكر أن كريستي كانت قد انضمت رسمياً إلى بعثة التنقيب البريطانية في نينوى شمال العراق برئاسة (الدكتور تومسن كامبل) ثمَّ إلى بعثة الأربجية عام 1932 برئاسة زوجها. وكانت فضلاً عن جهدها التنقيبي، تجد الوقت الكافي للكتابة..!! حتَّى أنه حين لا يتوفر لها السكن في الموقع الأثري، تنصب لها خيمة خاصة بعيداً قليلاً عن ضجيج الحفر تعمد إلى كتابة رواياتها وقصصها داخلها... وعن حياته المشتركة مع أجاثا، يقول مالوان:?

"عشنا في بيت صغير ذي حديقة أسفل تل النبي يونس، وضم التل أيضاً مستودع أسلحة سنحاريب ـ الملك الآشوري ـ وكان الوصول من بيتنا إلى قمة نينوى تل قوينجق يستغرق عشرين دقيقة على ظهور الخيل، ومن القمة نطل على مشهد شامل للمناظر الطبيعية والتاريخ...، ونطل من ارتفاع مئة قدم فوق السهل إلى الغرب على الضفاف الشديدة الانحدار لنهر دجلة السريع الجريان ونرى عبر النهر مساجد الموصل وكنائسها"، في هذا البيت الموصلي الريفي وعبر هذه الأجواء التاريخية والطبيعة الساحرة كانت كريستي تكتب، ليس هذا فقط، إنما كانت كثيراً ما تتهيأ لشتاء الموصل الطويل بشراء كميات من الخشب التماساً للدفء كلما اقترب موسم البرد وكانت تدفع بسخاء لقوافل الأكراد التي تبيع الخشب، في هذا البيت ـ قليل الأثاث ـ احتاجت أجاثا مرَّة لمنضدة تكتب عليها روايتها (اللورد ـ ايجوير يموت) فقصدت سوق الموصل واشترت بثلاث باونات منضدة، اعتبرها الدكتور كامبل رئيس هيئة التنقيب تبذيراً...!!! ورغم أن الكتابة كانت شاغلها، فقد كان لها دورها ومهماتها ضمن بعثة التنقيب، كانت أجاثا كريستي ـ يقول مالوان ـ سخية دائماً وأنموذجاً للانسجام، ساعدت في إصلاح العاجيات ووضع الفهارس لأنواع (اللقي) الأثرية، كما ساعدت في التصوير الفوتوغرافي للبعثة. وبالمقابل، استطاع (مالوان) زوجها المخلص أن يرسم لها صورة مختلفة للعالم، وأن ينظّم أعمالها على نحو لم تكن تنتظره، فكان يحل مشاكلها المالية سواء بالنسبة لألاعيب دور النشر المستغلة، أو لتحايل منتجي الأفلام أو لمشاكلها مع أصحاب المسارح، أنه يجيد ترتيب المعلومات وتبسيطها.?

أريد ممَّا عرضته من تفاصيل عن هذا (المقطع) من حياة الكاتبة ربَّما يراها البعض ليست ذات بال ـ أن أنّبه إلى ما توفر لها من (اطمئنان) و(رفقة) و(عمل لذيذ) و(أجواء ساحرة) كانت بحاجة إليها كلّها، فضلاً عن غوصها في أعماق التاريخ من خلال مواقعه بحثاً عن كل مثير وغامض.!! ولا ننسى أنها لم تقعد في نينوى طوال فترة عملها بل تجولت في المناطق الأثرية في مصر وسوريا والأردن وفلسطين وبلاد فارس، وكان لها في كل موقع أثري رواية أو قصة، لم أتناولها تفصيلاً، فمثلاً، قصتها (لؤلؤة الشمس) مثلت تسجيلاً لزيارة قامت بها مع زوجها إلى (البتراء) في حدود عام 1933 ـ 1934. أمَّا رواية (موعد مع الموت) وفي فصلها الخامس بالذات فتصف روعة بناء المسجد الأقصى وعظمة قبته المُشيدة على صخرة مرتفعة وجمال نقوشه... الخ(2).?

ثمَّ تعود لتصف رحلتها إلى (البتراء) وخطورة الطريق الصحراوي وكيف توقفت عند قرية (عين موسى) وتركت السيارة لتركب الخيل إلى (وادي السيق) و(خزنة فرعون) صعوداً إلى القمة ثمَّ حديثها مع الدليل العربي...، وكذلك فعلت في قصتها (نجمة فوق بيت لحم) عام 1965. زارت الكاتبة مصر وعاشت فيها فترة درست حضارتها وتاريخها الفرعوني بالذات وكتبت الرواية المعروفة (موت على النيل) التي حولت إلى مسرحية عام 1946 بعنوان (جريمة قتل على النيل) كما كتبت الرواية الثانية (الموت يأتي في النهاية) وذلك عام 1945، كما كانت قد كتبت مسرحية (أخناتون) الملك المصري الذي فرض ديانة جديدة، وقد أعدت أجاثا كريستي لكتابة هذه المسرحية منذ زيارتها (الأقصر) جنوب مصر عام 1931، واستعانت بخبرة علماء الآثار ومعرفتهم بتاريخ مصر القديم في رسم شخوص المسرحية التي أصدرتها إحدى دور النشر عام 1973...?

إذن، هناك العديد العديد من الأعمال التي كان (التاريخ) قاعدتها وأرضيتها، وخيال الكاتبة الجموح بناؤها وعمارتها.!! ولعل من الإنصاف أن نتساءل، كم من الكاتبات أتيح لهنَّ العيش والتجوال في أور الكلدانيين ونينوى الآشوريين وبتراء الأنباط ومصر الفراعنة.!!?? قليل قليل بلا شك.?

...هكذا عاشت كريتسي وهكذا كتبت، حتَّى أنها عند بلوغها سن الخامسة والثمانين كانت قد أنتجت (85) كتاباً بمعدل كتاب لكل سنة.!! وهو رقم خارق يعكس القدرة على الإنتاج والكتابة، يتساءل (مالوان) "كيف نفسر هذه الظاهرة.? إنها ناشئة عن حالة دائمة من الخيال الجامح".?

اعتبرت هذه الكاتبة مسألة (الرفقة) كما أسلفنا عنصراً جوهرياً في السعادة الزوجية، كما مشاطرة الخبرات والمشاعر والأفكار والتعبير المبهج عنها، ولعل هذه الأمور مجتمعة كانت من أسباب نجاح ديمومة زواجها من (مالوان) فقد استمرت حياتها معه (45) عاماً، أي حتَّى وفاتها عام 1976، ومن طريف ما يروى أنها كلما كانت تسأل عن سر تعلّق (مالوان) بها وحبه لها كلما تقدمت في العمر وهي تكبره أصلاً تجيب: إنه أمر طبيعي، فزوجي عالم آثار يعشق الآثار القديمة.!!.?

اختفاء أجاثا كريستي:?

في عام 1926 اختفت أجاثا كريستي لمدة عشرة أيام، وكان أن اشترك الشعب البريطاني في البحث عنها..!! سواء مباشرة أو بمتابعة أخبارها، ولم يعرف أحد سبب ذلك الاختفاء المتعمد، لكن التكهنات عزت العملية إلى خوفها من فقدان والدتها أو تأثرها بفقدانها، لكن جانيت مورغان التي كتبت سيرتها عام 1985 أرجعت السبب إلى صدمة عاطفية كبيرة ولكن صدمتها تلك كانت الثانية، بعد صدمتها الأولى في إخفاق زواجها من (ارتشي كريستي) وقد أخفت الكثير من ملابسات طلاقها وكذلك تفاصيل اختفاءها شأنها في كل قصصها.!!.?

الخيال الخلاق: منهج أجاثا كريستي في الكتابة:?

لطالما ردَّدت هذه الكاتبة، أن أعظم متعة يحس بها المؤلف هي اختراع الحبكاتِ..!! ففي قصصها ورواياتها كما في مسرحياتها نجد ذلك (الكم) الهائل من (الألغاز) و(الحبكات الغامضة) سواء كان ذلك في البناء القصصي أو المعمار الدرامي أو في الحوار أو الشخصيات، بل حتَّى في اختيار مواقع الأحداث التي غالباً ما تكون مشوقة: مواقع أثرية، مدن شرقية، معابد، قصور ذات طابع، فنادق مميزة، قطارات أو طائرات، مضايق صحارى مقطوعة، أنهار لها تاريخ... الخ، وفي العادة تلجأ الكاتبة إلى تكنيك قصصي يستند إلى (الحيلة أو الخدعة) كأسلوب إثارة وتشويق مفعم بالغموض، محرك لخيالها الخصب...، يستدرج لغتها السيالة الانسيابية في تيار متصل من السرد النثري المجرد والمتصف أحياناً بالأطناب والإطالة، ولكي تبعد الملل عن القارئ تعمد إلى إقحام بعض الألغاز والرموز التي تحتمل التأويلات والتفسيرات المتضادة في آن معاً، وبذلك تشد القارئ إلى متابعة الحدث دون أن تبتعد به عن المحور الأساسي للبناء الدرامي الذي خططت له بإتقان، لكي لا يخرج عملها مسطحاً فجاً.!!?

وفي حالات قليلة تعمد إلى إدخال واقعة من حياتها في رواية أو قصة بعد إجراء تمويه يضيع فرصة الكشف عن حقيقتها..، من ذلك ما أشار إليه (مالوان) في مذكراته فيما يخص رواية (التجويف) الممسرحة، يقول "وهناك إشارة ترتبط بحدث في حياتي أود أن أذكرها، يقول سير هنري في الرواية: ((هل تتذكرين يا عزيزتي أولئك الأشقياء الذين هاجمونا في ذلك اليوم في الجانب الآسيوي من البسفور.? كنت أصارع اثنين منهم كانا يحاولان قتلي، وما الذي فعلته لوسي.? أطلقت رصاصتين، لم أكن أعرف أنه لديها مسدس... كانت أصعب نجاة في حياتي..)) هذه حكاية حقيقية والفرق الوحيد أن أجاثا على خلاف الليدي انكاتيل في الرواية كانت قد سلَّحت نفسها ليس بمسدس بل بصخرة مدورة "لم تأخذ أجاثا كريستي كروائية بوليسية، أحداث رواياتها من سجلات الشرطة، أو المحاكم، كما فعل غيرها من كتَّاب الرواية البوليسية أمثال روايات (مع سبق الإصرار والترصّد) ترومان كابوت 1967 و (أغنية الجلاد) نورمان ميللر 1979 و(إني اتهم) غراهام غرين 1981 و(جرائم قتل في أطلنطا) جيمس بولدوين 1985 وكذلك قصص سومرست موم المختلفة.?

ثمَّة منهج مميز للكاتبة، أنها تبتعد عن التأويل الرمزي للحدث ومنح القارئ متعة الوصول إلى التأويل الواقعي وفك طلاسم الغموض والغوص في بحر التشابك الساحر لعلاقات شخوص الرواية ببعضهم من جهة وبالحدث من جهة أخرى، وتضع الجميع: القارئ والحدث وأبطال الرواية تحت رهبة قدسية المكان الذي اختارته مسرحاً لأحداثها وغالباً ما يكون هذا الموقع كما ذكرنا أسطورياً ساحراً.!! وميزة أخرى: أنها تحرك أبطالها وشخوصها وفق صيغ دراماتيكية مزدحمة بالخلفيات والتفاصيل، وتتصاعد حرارة الأحداث لتصدم القارئ بنهايات مفجعة، بيد أن الكاتبة تقدم تراجيديا الفجيعة على أنها حدث عابر يتقبله القارئ المستمتع على أنه أمر لابدَّ منه..!! هكذا هي الحياة برأي أجاثا كريستي... تيار جارف متصل مفعم بالتفاصيل والمفردات لا تتوقف لانتظار أحد أو للحزن عليه، وكأنما بذلك تنبأت بنهاياتها، هكذا كان رحيلها يوم 12 كانون الثاني 1976، يقول (مالوان): عندما وصلت إلى الصفحات الأخيرة من هذه المذكرات توفيت عزيزتي أجاثا بسلام بينما كنت أدفع كرسيها ذي العجلات إلى حجرة الجلوس بعد تناول طعام الغذاء... لا يعرف سوى القليلين معنى العيش بانسجام بجانب ذهن واسع الخيال مبدع يلهم الحياة بالحيوية... لقد كانت أجاثا كريستي، روائية مدهشة حقاً، امتلكت لغتها وأسلوبها وطريقتها في بناء الرواية، واحتفظت بذاكرة قوية تخدم تعاقب الأحداث في رواياتها وقصصها وتتفنن في تحريك أبطالها وفق السياق الدرامي الذي اختارته لكل رواية... وقد استخدمت الألغاز والخرافات والحقائق التاريخية أو المعاصرة على حد سواء وبنفس الدرجة من الوضوح أو الغموض..!!.?

تربعت أجاثا كريستي على عرش الرواية البوليسية الإنكليزية طوال نصف قرن دون مزاحمة، ولعل دراسة الناقدة البريطانية (جوليان سيمونز) عن أدب الجريمة وتقنيات الرواية البوليسية التي صدرت بعدة طبعات منذ عام 1985، لعلّ تلك الدراسة تمنح أجاثا كريستي المكانة التي حققتها في ميدان أدب الجريمة على صعيد عالمي، وقارئ كريستي بالإنكليزية يلحظ دون أدنى شك أنها استخدمت لغة وسطى سلسة وسياله، أنها لم تكتب بلغة (شكسبيرية) عالية رغم أنها ارتقت بأعمالها عن مستوى الإنكليزية المتداولة أعني لغة المحادثة اليومية ولعل هذا يفسر رواج قصصها ورواياتها لدى الأوساط الشعبية في بريطانيا وأوروبا وما وراء البحار، كما يفسر سهولة ترجمتها إلى مختلف لغات العالم.?

... لم تتوقف موجة الرواية النسوية البوليسية بعد وفاة أجاثا كريستي، فقد شهدت أعوام التسعينات ـ مثلاً ـ صدور مجموعة من الأعمال الروائية لكاتبات تألَّقن في سماء الرواية البوليسية: (فرانسز فايفيلد) التي اعتبرها النقاد من أفضل كتاب رواية الجريمة في بريطانيا لاسيما وأنها أفادت من تجاربها المثيرة أثناء عملها بوظيفة نائب المدعي العام، أصدرت (فايفيلد) عام 1995 روايتان (ظلال على المرأة) و(مسألة جريمة).?

أمَّا الكاتبة (أليسن لوري) أستاذة الأدب في جامعة كورنل فقد صدرت لها رواية (أناس حقيقيون) عام 1996. وهناك روائيات مشهورات قدَّمن أعمالاً كثيرة منهن مثلاً (كارولين هيلبورن) التي كتبت الرواية البوليسية تحت اسم مستعار (أماندا كروس).! وكذلك الكاتبة (كاثرين كوكسون)... وغيرهما كثير.?

تساؤلات أخيرة!!!?

ثمَّة تساؤلات يمكن طرحها ونحن نختم هذه الموضوعة، فنقول: هل شكلت روايات أجاثا كريستي وقصصها ذات الطابع البوليسي قيداً على إبداعها في الأجناس الأدبية الأخرى?... نعم، دون أدنى شك، فقد كان لنجاحها في مضمار الرواية البوليسية انعكاسات شعبية وأدبية، ومردودات مالية هائلة، لذلك عارض عدد من ناشري رواياتها أية رغبة لديها للتأليف باتجاه آخر...!!.?

ونتساءل أيضاً لماذا لم تقترب أجاثا كريستي من جائزة نوبل في الآداب ولماذا لم ترشح لها? رغم أن روائيات أقل شهرة منها حصلن عليها، فرغم حجم إنتاجها الواسع وكثرة قرَّائها فإن الكثير من النقاد وربما حكام جائزة نوبل للآداب يعتبرون كتاباتها (شعبية) أكثر من اللزوم!، وإنها لا تعكس التفرد في الإبداع الأدبي بقدر ما تقدم الخبرة والتكنيك في الرواية الناجحة، أنها تخاطب مزاج القارئ لحظة التلقي ولا تكترث لأحكام عقله وتفسيراته كما لم تكن الروائية تكترث لآراء النقاد.?

الهوامش:?

(1) فيرجينيا وولف: روائية إنكليزية (1882 ـ 1941) انتحرت في نهر التيمس، من رواياتها: الليل والنهار 1919، غرفة جاكوب 1922، السيدة دالوي 1922، الفنار 1927، الأمواج 1931، السنين 1937، بين الفصول 1941.?

(2) ينظر مجلة (أفاق عربية) بغداد أيلول 1990، المرأة والرواية، ص124.?

(3) ينظر مجلة (الطليعة الأدبية) بغداد آب 1977، ص38.?

(4) ماكس مالوان (1904 ـ 1978) عالم آثار بريطاني زوج أجاثا كريستي.?

(5) كتبت أجاثا كريستي سيرتها الذاتية عام 1934 من خلال قصتها المعروفة (لوحة غير منجزة) أو (الصورة الناقصة Unlinished Portrait) باسم مستعار (ميري ويستماكوت) ثمَّ كتبت (سيرتي الذاتية) بقلمها، نُشرت عام 1977 بعد وفاتها.?

(6) كتبت جانيت مورغان هذه السيرة بتكليف من عائلة كريستي أواخر عام 1985 فجاءت بـ393 صفحة شاملة حياة الروائية.?

(7) ترد هذه الرواية في عدد من التراجم العربية لروايات أجاثا كريستي.?

(8) (المجهول من حياة أجاثا كريستي) تلخيص لكتاب مورغان، يومية (الثورة) بغداد 20/4/1986.?

(9) (مذكرات مالوان) ترجمة سمير عبد الرحيم الجلبي، دار المأمون ـ بغداد 1987.?

(1) ذلك البيت في موقع النمرود الأثري قرب الموصل.?

(2) تبرز في هذه الرواية شخصية (الكولونيل كاربري) حكمدار مدينة عمان وتدور أحداثها بين القدس وعمان والبتراء وطبريا

زائر
22 - يناير - 2006
أضف تعليقك