هل نستطيع بناء مجتمع حداثي ديقراطي باستعمال لغة الاغتيالات والكسل الفكري? كن أول من يقيّم
الأخ رفاعي: رغم طول ما كتبته في الرد على مداخلتي القصيرة المركزة، فإنك لم يستوعب ما طرحته من أفكار، لقد اختلقت لنفسه منطقا وأعطيته شرعية مطلقة، وأتيت بمجموعة من الأفكار المتناقضة التي تبدو مفككة الروابط.
يبدو من القراءة الأولية لنصك، أنك قد نصب نفسك الحارس الأمين على الدين، وبذلك لم يتسع فرك لسماع أو قراءة ما يخالف قناعاته التي تبدو مخالفة لسيرورة الأحداث والوقائع التاريخية، فأنت بذلك تعيش في ثكنة عسكرية، تصفق لكل من يستعمل السلاح لتصفية من يخالفك الرأي، وتصفق لكل من يساهم في فرملة الفكر العقلاني الإنساني الذي ينظر إلى مختلف الظواهر الفكرية والاجتماعية بمنطق الأسباب والمسببات والتي ينتج عنها بالضرورة نتائج وحقائق نسبية، أقول حقائق نسبية على اعتبار أنها تخضع للتطور، بخلاف الحقائق الدينية المطلقة.
عندما تحدثتُ عن الأستاذ حسن حنفي وأمثاله، فإنني أقصد المنهج الانتقائي الذي يُوظَّف في دراسة التراث، فأصحاب هذا المنهج يصطادون الأفكار في الكتب الدينية حتى يدعمون بها قناعاتهم المسبقة.
وما دام الفكر الإسلامي حبيس منطق الدفاع عن الإسلام ممن يتوهم أنهم يسيئون إليه، سنبقى نحن أصحاب هذا الفكر نتلقى الهجومات المتالية، علينا أن ننتقل من موقع الدفاع إلى موقع المشلركة في إنتاج الفكر العقلاني الإنساني.
لقد قررتها أيها الأخ رفاعي، عندما قلت: " أن التيار الديني ...حالة من الكسل الاجتماعي بدعوى انتظار خروج المهدي، لكني أرى أن التيار الديني لو كان بالفعل يعيش انتظار تبرر له تكاسله لما قتل فرج فودة وحسين مروة، ولما (تجرجر) أبو زيد في المحاكم".
إن قولك هذا أقوى دلالة على الدعوة إلى تعطيل لغة الحوار الفكري، واستعمال لغة الاغتيالات، فهل ذلك لا يعتبر من أرقى مستويات الكسل الفكري?.
أما تكرارك لعبارة "معكوسية المنطق.." فيبدو لي أنك لا تعي مفهوم العبارة، على اعتبار أن طرحك في مجمله يدعو إلى التفكير في الحاضر بمنطق الماضي المقدس، هذا الحاضر في نظر يجب أن يخضع لقوانين الماضي المقدس، إذا كان كذلك، فأنت تعيش بفكرك في الماضي وبحواسك في الحاضر، ألا يبدو لك أنك تنافق نفسك ومحيطك? عندما تتكلم تكون الإنسان المسلم على شاكلة عمر بن الخطاب كما تصوره كتب السير والتراجم...وعندما تحيى تكون كإنسان يستهلك ما حوله من ماديات وتلعن صانعها ومنتجها...? تلك الثنائية أو سميها الانفصام في الشخصية الذي يعيشه البعض، هو القضية هو المشكلة؛ تلك الثنائية هي الفرامل التي تعوق تحرير الإنسان العربي.
لذلك مطلوب أن نشد على أيدي كوكبة مهمة من المفكرين العرب المتنورين، أمثالك محمد أركون، محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، حامد أبو زيد الطيب التزيني... وغيرهم كثير، مطلوب أن نستلهم منهم الطريق والمنهج، وها لا يعني بالضرورة أن نتائج أبحاثهم تعتبر حقائق مطلقة، إنها نسبية بالنظر إلى الأدوات التي يمكن أن تتاح إلى الباحثين في المستقبل.. |